وبينما تكون مصر قبل فيضانه فى زمن الاحتراق والتعطش للماء إذا هو يخترق الآفاق فيها لإغراقها بمياهه العذبة، وبينا يكون فى أسافل الأرض ومجاريها إذا هو فى السوارى وأعلى الأعالى.
ولم يكن محيى الدين بن عبد الظاهر كاتبا ديوانيا فحسب، فله رسائل شخصية سنلمّ بإحداها، وأيضا كان مؤرخا، وعنه أخذ البرزالى وغيره من كبار المؤرخين لزمنه، واهتم فى التاريخ بكتابة السير، فكتب سيرة الظاهر بيبرس، وهى أحد مصادر المقريزى فى خططه، وكتب سيرة قلاوون بعنوان «تشريف الأيام والعصور فى سيرة الملك المنصور»، وكتب أيضا سيرة الأشرف خليل بعنوان «الألطاف الخفية من السيرة الشريفة السلطانية الأشرفية» وله كتاب فى خطط القاهرة ينقل عنه كثيرا المقريزى وكذلك القلقشندى فى صبح الأعشى. ولعل فيما قدمنا من رسائله الديوانية ما يدل بوضوح على قدرته البيانية والبلاغية.
هو شهاب الدين أحمد بن يحيى بن فضل الله العمرى، من سلالة أسرة مصرية تنتسب إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه، وليت أسرته ديوان الإنشاء بمصر ودمشق نحو قرن من الزمان هو القرن الثامن الهجرى، وقد ولد لأبيه كاتب السر بدمشق سنة 700 للهجرة وبها نشا، فحفظ القرآن الكريم، ثم أخذ يختلف إلى حلقات علمائها من أمثال ابن تيمية الفقيه الحنبلى المشهور وقاضى قضاة دمشق الشافعى شهاب الدين محمد بن المجد وشيخ الشافعية بدمشق برهان الدين بن الفركاح الفزارى وأخذ علم الأصول على الشيخ شمس الدين الأصفهانى نزيل دمشق منذ سنة 724 وبها ظل سبع سنوات وكان من أبرع علماء زمنه فى العقليات، وأذن لابن فضل الله فى الإفتاء على مذهب الشافعى. وأخذ شهاب الدين العربية عن كمال الدين بن قاضى شهبة وابن الزّملكانى، أما الأدب فأخذه عن أبيه ورفيقيه فى ديوان الإنشاء الشهاب محمود وعلاء الدين