المقرئ المتوفى سنة 684 ونحس عنده قبسا من ابن الفارض فى مثل قوله (?):

حضروا فمذ نظروا جمالك غابوا … والكلّ مذ سمعوا خطابك طابوا

فكأنهم فى جنّة وعليهم … من خمر حبّك طافت الأكواب

أنت الذى ناولتنى كأس الهوى … فإذا سكرت فما علىّ عتاب

ويقول ابن تغرى بردى إنها قصيدة مشهورة عند الفقراء يريد الصوفية، وواضح أنه يصور فى هذه الأبيات الغيبة التى طالما صورها ابن الفارض والتى تعنى عنده السكر وفقدان الوعى، فقد غاب عن وعيه حين أحس بمشاهدته للجمال الربانى وكأنما طافت أكواب الخمر الإلهية، وتناول منها كوبا، جعله يغيب عن الوجود شاعرا بوجد لا يشبهه وجد، وجد بالجمال الإلهى المطلق الذى يسرى فى كل كائن جميل مستمدا منه حسنه وجماله، يقول (?).

من أنت محبوبه ماذا يغيّره … ومن صفوت له ماذا يكدّره

هيهات عنك ملاح الكون تشغلنى … والكلّ أعراض حسن أنت جوهره

وكأن الله يشاهد فى كل جميل بالكون، أو قل كأن كل جميل يستمد منه جماله، أو يشاهد فيه جماله، وفكرة الشهود سنعرض لها عند ابن الفارض عرضا أكثر سعة. وبدون ريب أثر ابن الفارض فى صوفية مصر وغير مصر بعده آثارا تضيق وتتسع حسب مواجد الصوفى.

ويلقانا صوفى من أتباع ابن عربى، مر بنا ذكره فى الفصل الأول، وهو عبد العزيز بن عبد الغنى الحسنى المتوفى سنة 703 وفى شعره ما يدل على تلمذته لابن عربى إذ يقول (?):

وجدت بقائى عند فقد وجودى … فلم يبق حدّ جامع لحدودى

وألقيت سرّى عن ضميرى ملوّحا … برمز إشاراتى وفكّ قيودى

فأصبحت منى دانيا بمعارفى … وقد كنت عنّى نائيا بجمودى

ويقول ابن حجر معلقا على الأبيات: «وهذا نفس الاتحادية لا شك فيه». يريد أن الأبيات تصدر عن فكرة الاتحاد بالذات العلية التى كان يؤمن بها ابن عربى، وكان له ديوان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015