ولم يجد الصديقان بدّا من ترك قوص والاتجاه إلى القاهرة، ومرّت بنا مدحة رائعة للبهاء مدح بها السلطان الكامل عقب انتصاره الحاسم على الصليبيين سنة 618 وبالمثل نجد ابن مطروح يمدح الكامل منوها بهذا الانتصار بمثل قوله:
يا ناصر الدين الحنيف بسيفه … ومذلّ أهل الشّرك والطغيان
وقد يدل ذلك على هجرة الصديقين معا إلى القاهرة فى تلك السنة إن لم يكن قبلها، وكما اتجه البهاء إلى أبناء الملك الكامل يمدحهم وفى مقدمتهم الملك المسعود صاحب اليمن حين قدم منها إلى القاهرة سنة 621 كذلك مدحه ابن مطروح، ومدح أيضا عمه الأشرف موسى ممدوح ابن النبيه، وله مدائح مختلفة فى أمراء بنى أيوب. ويقول ابن خلكان فى ترجمته إنه تنقلت به الأحوال فى الخدم والولايات، ولا نعرف بالضبط ما هى هذه الخدم والولايات التى عمل بها.
ومرّ بنا أن البهاء زهير وثّق صلته بالملك الصالح نجم الدين أيوب، ونرى ابن مطروح يلتحق بخدمته، ولا ندرى أى الصديقين قدم صاحبه إليه، ويذكر ابن خلكان أن ابن مطروح كان فى خدمة الملك الصالح حين أصبح نائبا لأبيه الملك الكامل على البلاد الشرقية: الرّها والرّقة وغيرهما فى سنة 629 وظل معه هناك حتى إذا استولى الملك الصالح على مقاليد الأمور بالقاهرة سنة 637 استبقاه فى دمشق فترة ثم استقدمه إليه سنة 639 وعيّنه ناظرا فى الخزانة، ولم يزل ينعم بقربه وحظوته منه حتى سنة 643 إذ عيّنه وزيرا له فى دمشق يدير شئونها، فارتفعت منزلته. وقدم عليه الملك الصالح فى سنة 646 ولم تعجبه بعض تصرفاته فعزله من منصبه وسيّره مع جيش للاستيلاء على حمص. وسمع بحملة لويس التاسع ومن انضموا إليه من حملة الصليب وأنهم اجتمعوا بجزيرة قبرس لقصد مصر، فسحب جيشه المحاصر لحمص وعاد به إلى مصر فى شهر المحرم سنة 647 وخيّم به على المنصورة وابن مطروح فى خدمته وهو متغير عليه متنكر له إلى أن توفى فى شعبان سنة 647 وقاد ابنه توران شاه المعركة، ودمر الحملة الصليبية، وأسر لويس التاسع وسجن بدار ابن لقمان بالمنصورة والطواشى صبيح يحرسه إلى أن فدى نفسه بأربعمائة ألف دينار وعاد مهزوما مدحورا مع فلول جيشه الصليبى إلى البحر المتوسط وما وراءه. وأغلب الظن أن ابن مطروح لم يحضر المعركة فقد عاد بعد وفاة الملك الصالح إلى داره بالفسطاط وانقطع إليها، وشاع أن لويس التاسع يعدّ حملة ثانية لمصر فكتب إليه قصيدته البديعة:
قل؟ ؟ ؟ إذا جئته … مقال صدق من قؤول نصيح