والبهاء زهير يصوّر تهلل الدين الحنيف باندحار الصليبيين وأن الفرحة بالنصر الباهر لم تعم مصر وحدها بل عمت أيضا بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وإنه لحرىّ أن تهنّأ به منازل الوحى فى مكة والمدينة وأن يهنّأ به الرسول فى جدثه الطاهر. وكأنما كان هذا النصر درسا ظل حملة الصليب يذكرونه نحو ثلاثين عاما، حتى كانت سنة 647 إذ تجمّعوا بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا، ونزلوا دمياط واتجهوا نحو المنصورة، غير أن المصريين بقيادة توران شاه آخر السلاطين الأيوبيين عصفوا بهم سنة 648 وسحقوهم سحقا ذريعا، وأخذ لويس التاسع أسيرا وسجن بدار ابن لقمان كاتب الإنشاء وكان يحرسه الطواشى صبيح. وأذعن لشروط الصلح التى فرضها توران شاه وخرج من مصر مع فلول حملته خاسئا مدحورا. وتتطور الظروف سريعا، فيقتل توران شاه وتخلفه شجرة الدر فالسلطان أيبك. ولعل التتابع السريع لهذه الأحداث هو الذى عقد ألسنة الشعراء فلم يتغنّوا ببطولة توران شاه وجيشه الباسل وما أذاق حملة الصليب من نكال شديد.
وتظلّ مصر وشعراءها دولة المماليك، وما توافى سنة 657 حتى تكتسح سيول التتار الشام وتهبط إلى الجنوب فى فلسطين ويلتقى بها جيش المماليك فيكبح جماحها فى عين جالوت، ويردها قطز والظاهر بيبرس إلى غير مآب. ويصبح بيبرس سريعا سلطان مصر سنة 658 وكان عالى الهمة بعيد النظر، فأعاد الخلافة العباسية فى القاهرة، وبذلك أصبحت مصر حامية الخلافة والإسلام.
وعصره يعد العصر الذهبى فى زمن المماليك، وقد صورناه من بعض الوجوه وصورنا فتوحاته وحروبه المستمرة مع الصليبيين والتتار، وكيف قوّض للأولين مملكتهم فى أنطاكية، وما كان من تعقّبه الدائم للتتار فى الموصل. وسمع يوما بجموع لهم على الشاطى الشرقى للفرات، فخاضه إليهم وخاضه الجيش معه فقتل منهم مقتلة عظيمة ولم ينج منهم إلا القليل، وفى ذلك يقول ناصر الدين حسن بن النقيب الكنانى-وكان حاضر الواقعة-من قصيدة طويلة (?):
ولما ترامينا الفرات بخيلنا … سكرناه منا بالقوى والقوائم (?)
فأوقفت التيّار عن جريانه … إلى حيث عدنا بالغنى والغنائم
وكان الشعراء ينثرون على بيبرس قصائدهم فى كل معركة وكل نصر مظفر على التتار والصليبيين وفى أرمينيه وآسية الصغرى، وبالمثل حين كان ينشئ المدارس والمساجد، وفى مدرسة الظاهرية