نرى التورية معانقة لجناس تام فى قول ابن قادوس (?):
لام العواذل مغرما … فى حبّ ملهية وقينه
ولو انهنّ رأين تأ … ثير الغرام به وقينه
والتورية والجناس واضحان فى كلمة «وقينه» المكررة فى نهاية البيتين، والواو فى الأولى عاطفة وفى الثانية من أصل الفعل: «وقى» وهى موضع التورية. وبجانب ذلك نجد عند الشعراء لعهد الفاطميين عناية بمراعاة النظير فى الصور والكلمات، واستخدموا فى قلة شديدة مصطلحات العلوم وتسمّى باسم التوجيه، وحتى الألغاز نجدها مبثوثة فى أشعارهم، ويذكر العماد شاعرا من بينهم تسمى ابن مجبر كان يعنى بصنع الألغاز فيما يبدو عناية شديدة (?).
ويحمل لواء هذه البديعيات فى زمن الدولة الأيوبية القاضى الفاضل وزير صلاح الدين الذى نشأ وتربّى فى الدواوين الفاطمية على أمثال ابن قادوس وغيره من الشعراء والكتاب الفاطميين.
ويجعله ابن حجّة الحموى والصفدى إمام الشعراء فى زمنه وبعد زمنه (?) فى استخدام المحسنات البديعية من تورية وغير تورية، ويقولان إنه سار فى دربه على منواله ونهجه ابن سناء الملك ومن خلفوه من شعراء الدولتين الايوبية والمملوكية أمثال الجزار المتوفى سنة 672 وناصر الدين ابن النقيب المتوفى سنة 687 ومحيى الدين بن عبد الظاهر المتوفى سنة 692 والوراق المتوفى سنة 695 وابن دانيال المتوفى سنة 710 ونصير الدين الحمامى المتوفى سنة 712. ونستطيع أن نضم إلى من سميناهم من شعراء القرن السابع من جاءوا بعدهم طوال هذا العصر من أمثال ابن نباتة المتوفى سنة 768 والقيراطى المتوفى سنة 781 وابن مكانس المتوفى سنة 794. وحتى شعراء الصوفية من أمثال ابن الفارض نجدهم يستخدمون هذه المحسنات بكثرة. وجعلها النقاد القطب الذى تدور عليه كتاباتهم فى فن الشعر، يتقدمهم فى ذلك ابن أبى الإصبع المصرى المتوفى سنة 654 على نحو ما هو معروف عنه فى كتابه «تحرير التجبير».
وتصبح البديعيات المقياس أو المقاييس الدقيقة لإبداع الشعراء. وتتضمنها قصائد فى مديح الرسول صلّى الله عليه وسلم تسمى البديعيات وتشرح شروحا مطولة، ومن أهم هذه القصائد قصيدة للسيوطى أو بديعية سماها «نظم البديع فى مدح خير شفيع» وله عليها شرح، وكانت تعاصره عائشة