الإسكندرية اليونانيين بارحوها مع اقتحام عمرو بن العاص لها، ويغلب أن يكونوا قد حملوا معهم كتبا كثيرة من التراث اليونانى خاصة. ومع ذلك فقد بقى منه ومن علمائه ما أتاح لحركة الإسكندرية العلمية أن تظل مستمرة، وإن فقدت كثيرا من نشاطها. يدل على ذلك العلماء الإسكندريون المستعربون المذكورون آنفا والذين استدعاهم خالد بن يزيد بن معاوية لترجمة كتب الصنعة، كما يدل على ذلك ابن أبجر طبيب عمر بن عبد العزيز الذى كان يتولى التدريس بالإسكندرية واستدعاه ولزمه فى خلافته، ويبدو أنه تعرف عليه حين كان أبوه واليا على مصر (65 - 86 هـ‍) ويقال إنه أسلم على يده (?).

ومن المؤكد أن أديرة مصر ظلت منذ العهد الرومانى تحتفظ بكثير من التراث اليونانى وخاصة فى الطب والكيمياء، كما ظلت الإسكندرية تحتفظ بشهرتها بالطب أجيالا. . يدل على ذلك أن نجد هرون الرشيد (170 - 193 هـ‍) يستدعى منها طبيبا مشهورا لعلاج إحدى جواريه هو بليطيان (?) بطريرك الإسكندرية. وبالمثل ظلت مصر تحتفظ بشهرتها فى علم الكيمياء، ويذكر ألدومييلى كتابين فى الكيمياء ألفهما بمصر فى أوائل القرن الثالث الهجرى عالم أو علماء- كما يقول-من القبط (?)، وممن اشتهر بمعرفة الكيمياء من المصريين ذو النون المتوفّى سنة 245 واضع أسس التصوف كما مر بنا فى الفصل الماضى.

وتبدأ مصر فى زمن الخليفة المتوكل (132 - 147 هـ‍) باتخاذ المارستانات (?)، ومعروف أنها كانت مستشفيات من جهة ومدارس لتعليم الطب من جهة ثانية. وسرعان ما يتولى مصر أحمد بن طولون، وينشى مارستانا جديدا أنفق عليه ستين ألف دينار، وكان به قسم للمجانين وحمامان: حمام للرجال وحمام للنساء، وكان يركب لزيارته فى كل يوم جمعة وتفقّد أطبائه وخزائن الدواء فيه (?). ويذكر ابن أبى أصيبعة من الأطباء لزمنه إبراهيم بن عيسى والحسن بن زيرك وسعيد بن توفيل النصرانى وطبيب العيون خلف (?) الطولونى، وله كتاب النهاية والكفاية فى تركيب العينين وخلقتهما وعلاجهما وأدويتهما ظل يؤلفه فى نحو أربعين عاما من سنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015