السلفى أكبر حفاظه فى عصره. وكان يستمع إلى الفقهاء ويروى أنه تلقى على بعض الشيوخ موطأ مالك برواية فقيه الإسكندرية الطرطوشى المالكى (?)، بينما كان السلفى شافعيا، وكان صلاح الدين نفسه شافعى المذهب. ولعل فى ذلك ما يفسر اهتمامه بفقهاء المذهبين، بل لقد ضم إليهم أيضا فقهاء المذهب الحنفى، فإذا هو ينشى خمس مدارس بالقاهرة والفسطاط، أنشأ اثنتين منها فى أثناء وزارته للعاضد آخر الخلفاء الفاطميين سنة 566: مدرسة لفقهاء الشافعية بجوار جامع عمرو سميت مدرسة ابن زين التجار باسم الشيخ الذى فوّض إليه تدريس الفقه الشافعى بها ثم عرفت باسم المدرسة الشريفية، ومدرسة لفقهاء المالكية بالقرب منها سميت المدرسة القمحية للقمح الذى كان يأتيها من ضيعة بالفيوم وقفها عليها صلاح الدين، حتى إذا استولى على مقاليد الحكم بمصر أنشأ ثلاث مدارس اثنتين للشافعية إحداهما بجوار مسجد الشافعى والثانية بجوار مشهد الحسين، أما الثالثة فجعلها للحنفية وسميت السيوفية (?). والمهم أنه رتّب لكل هذه المدارس الأساتذة والمدرسين والمعيدين، فقد كان نظام الإعادة معروفا حينئذ، ورتّب لها أيضا الأئمة والمؤذنين والقومة والطلاب، وجعل لكل مدرسة أوقافها الخاصة للإنفاق المستمر عليها فى حياته وبعد وفاته، وألحق بكل مدرسة مساكن للمعلمين والطلبة. وكأن كل مدرسة كانت تشبه كلية من كليات الجامعات فى عصرنا، فمع كل مدرسة مساكنها وميزانيتها للإنفاق اليومى والشهرى عليها.

وبذلك تبدأ مصر دورة علمية كبيرة فى عهد الدولة الأيوبية لا فى عهد صلاح الدين وحده، بل أيضا فى عهد من خلفوه من الأيوبيين، إذ كانوا فى جملتهم علماء، وكذلك كان وزراؤهم وأمراؤهم منذ عهد صلاح الدين نفسه، ولكثيرين منهم مدارس أنشأوها فى الفسطاط والقاهرة عدّدها المقريزى-والطريف أنه اشترك معهم فى إنشائها بعض التجار-وقد بلغ بها خمسا وعشرين مدرسة (?). ويبدو أن إحصائيته غير كاملة، فإنه لم يقف عند مشهد الحسين وقفة توضح أنه كان مدرسة كبقية المدارس. ونستطيع أن نميز بين هذه المدارس ثلاث مدارس للفقه الشافعى وراء المدارس التى أنشأها صلاح الدين، إحداها أنشأها ابن أخيه تقى الدين عمر بن شاهنشاه وسميت مدرسة منازل العز وهو اسم المنازل التى أقيمت فيها، وكان مما وقفه عليها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015