الحديث المصريين فى زمنه. ومازالت هذه الجامعة ناهضة بالحركة العلمية فى القاهرة حتى عهد الأفضل بن بدر الجمالى إذ رأى إغلاقها، لنشوب جدل عنيف بها فيما صنع من جعل المستعلى بالله الخليفة الفاطمى بعد أبيه المستنصر دون أخيه نزار الذى كان يكبره، وخشى من ذلك حدوث ثورة، غير أن النزارية لم يلبثوا أن قتلوه، وقيل بل قتله الآمر بن المستعلى. غير أن الجامعة أو دار العلم لم تلبث أن أعيدت سنة 517 بعد نقلها إلى دار جديدة ظلت فيها حتى نهاية الدولة الفاطمية (?).
وإذا كان فقهاء الدعوة الاسماعيلية استغلّوا الجامع الأزهر ودار العلم فى أول تأسيسهما لنشر الدعوة الإسماعيلية فإن الجامع العتيق جامع عمرو بن العاص فى الفسطاط ظل مركزا لدراسات أهل السنة. ولا بد أن نلاحظ أن القاهرة حين أسّست إنما كانت مسكنا للخلفاء الفاطميين وحواشيهما من رجال الدولة وجنود الجيش القادم معها من المغرب، بينما كانت الفسطاط حينئذ مسكن المصريين، كما كان شأنها قبل دخول الفاطميين، وكان مسجدها جامعة كبرى للدراسات السنية. ويذكر المقدسى الذى زارها سنة 375 أنه رأى فى جامع عمرو بها بين العشاءين مائة مجلس وعشرة (?) للقراء والدراسات السنية. ومع ذلك كان فقهاء الدعوة الإسماعيلية يتراءون فيه ويفتون الناس أحيانا (?)، كما أخذ أهل السنة بدورهم يحاولون الإملاء وإلقاء المحاضرات فى الجامع الأزهر، ولم يجد الحاكم بدّا-كما مر بنا-من أن يعين فى الأزهر وفى دار العلم بعض أهل السنة من المحدثين والفقهاء.
ولعل فى ذلك ما يخفف حدة القول بأن الفاطميين كانوا يضطهدون فقهاء أهل السنة ويحاربونهم، ويذكرون فى هذا الصدد الاعتداء فى سنة 381 أى لعهد العزيز على رجل وجد عنده موطّأ الإمام مالك (?)، وقد يكون السبب أن الرجل تعرض للدعوة الإسماعيلية بالسب والثلب. ويذكرون أن الحاكم أراق دماء نفر من فقهاء أهل السنة، وكان فيه سفه وخبل، فلم يرق دماءهم وحدهم، بل أراق أيضا دماء كثيرين من الدعاة الإسماعيليين ورجال الدولة. وكان بيت النعمان أهم البيوت المغربية فى نصرتهم والتأليف فى عقيدتهم الفاسدة، ومع ذلك قتل الحسين بن على بن النعمان كبير قضاته، وولّى بعده ابن عمه عبد العزيز الذى أقامه رئيسا لدار العلم،