المزاج لا يتطرف يمينا ولا يسارا، بل إن التطرف يخالف طبيعته ويباينها أشد المباينة. وحاول بعض الباحثين أن يجد شيئا من أثر التشيع الفاطمى، فعثر على أسماء أفراد كانوا يتشيعون أو ينسب لهم التشيع هنا وهناك، ونجزم بأنهم لم يكونوا إسماعيليين يؤمنون بالمبادئ السابقة، إنما كانوا سنّيّين محبين لأهل البيت، وكانت مصر قبل الفاطميين وإلى اليوم تحبهم، ولكن دون أن تعتنق مذهبا من مذاهب الشيعة، فضلا عن المذهب الإسماعيلى وما فى مبادئه من غلو مفرط.
مصر-من قديم-بلد دين، تعيش به وتعيش له؛ وما أهراماتها إلا رموز ضخمة لدينها الوثنى فى عصر الفراعنة، حتى إذا اعتنقت المسيحية توغلت فيها وفيما تحمله من زهد فى حطام الدنيا ومتاعها الفانى، نافذة خلال ذلك إلى الرهبنة التى أشاعتها فى هذا الدين، حتى غدت من خصائصه، فإذا أناس من معتنقيه يعتزلون العالم وكل ما فيه من شهوات ومآرب إلى الأديرة ينفقون فيها حياتهم ناسكين متعبدين. وتدخل مصر فى الإسلام وسرعان ما تقبل على تعاليمه الزاهدة التى تحض على التقوى والنسك، ترفدها فى ذلك نوازعها الدينية الموروثة، وهى نوازع ظلت تنبض بقوة فى المجتمع المصرى الإسلامى. وحقا قد نجد أحيانا أفرادا من الشعب أو من الأمراء الحكام يمجنون، وقد نجد أسرابا من المجون فى بعض الأزمنة المتأخرة، ولكن ذلك لم يكن يعدو زبدا أو قشورا تبدو أحيانا فوق السطح، أما الأعماق فترفض المتاع الدنيوى المادى وتتعلق بما عند الله من المتاع الأخروى الروحى.