وتبلغ دولة الطولونيين فى عهد خمارويه كل ما كان يؤمّل لها من ازدهار. وتحدث فى أوائل حكمه مناوشات بين جيشه وعسكر الموفق، وسرعان ما ينعقد بينهما صلح وثيق. ويقال إن رواتب الجيش المصرى بلغت فى أيامه تسعمائة ألف دينار، مما يدل على ضخم الجيش ومدى عنايته به.
وفرغ بعد صلحه مع الموفق للعناية بشئون دولته، وزاد فى قصر أبيه وحوّل الميدان الذى كان أمامه بجوار مسجد أبيه إلى بستان رائع حمل إليه كل صنف من الشجر وأنواع الورود والرياحين والزعفران، غير ما اتخذ فيه من الفساقى والنافورات، وسنعرض لذلك فى غير هذا الموضع، ووسع إصطبلاته لكثرة دوابه وحيواناته الأليفة والوحشية. ويقول المؤرخون: كان من عجائب الدنيا فى زمنه عرض الخيل بمصر. وبلغ من مجده وعظم شأنه أن طلب الخليفة المعتضد منه فى سنة 279 أن يزوّجه ابنته قطر الندى، وينوه المؤرخون بجهازها وما كان فيه من تحف وهدايا نفيسة، ويقولون إن خمارويه بنى لها على رأس كل منزلة بين القطائع وبغداد قصرا فرش أروع فرش.
ومع كل ما انتهى إليه من ملك مصر والشام ومع ما اشتهر به من الشجاعة والبأس قدّر له أن يقتل بأيدى غلمانه فى دمشق سنة 282. وأقام قواده بعده ابنين صغيرين له بادئين بأكبرهما «أبى الجيش» ولا يدور العام حتى يخلعوه، ويولوا أخاه هرون وكان ضعيفا، فلم يستطع لا هو ولا جيشه الصمود أمام القرامطة وشغب جيوشهم فى الشام، مما جعل الدمشقيين يلتمسون من الخليفة المكتفى أن يغيثهم بجنده ويلبّى استغاثتهم. ويغتال هرون سنة 292 ويتولى بعده عمه شيبان الحكم اثنى عشر يوما إذ سرعان ما يقدم إلى مصر جيش الخلافة بقيادة محمد بن سليمان، فيزيل حكم الطولونيين، ويبكيهم الشعراء طويلا. وتعود مصر ثانية ولاية عباسية، ويتعاقب عليها ولاة مختلفون من بغداد، وتكثر فى عهدهم غارات الفاطميين من عاصمتهم المهدية بجوار القيروان على حدود مصر السفلى والعليا، ويدحرون مرارا، ويحجزهم إلى حين الإخشيد وأبناؤه.
الإخشيد هو محمد بن طغج بن جفّ الفرغانى التركى خدم أبوه وجده الخلفاء العباسيين، كما خدمهم بدوره، ويقال إنه ولد سنة 268 ومازال يعمل فى خدمة الخلفاء وقوادهم حتى ولّوه