تحدّثنا فى هذا الجزء عن الشام وتاريخها الأدبى فى عصر الدول والإمارات وبدأنا حديثنا عنها بالكلام عن فتح العرب لها مع إلمامة موجزة بتاريخها القديم وبيان حياتها السياسية زمن الدولة الأموية وأيام الولاة العباسيين، وفى عهد الدولتين الطولونية والإخشيدية وأيام الحمدانيين ومن تداولها أو تداول أجزاء منها زمن الدولة الفاطمية، وقد ظلت معها فلسطين، وظلت دمشق أيضا معها حفبة من الزمن. واستولى بنو مرداس على حلب واستولى السلاجقة منهم عليها كما استولوا على دمشق. ونزل الصليبيون الشام وأسسوا بها ممالكهم واستخلص منهم عماد الدين زنكى الرّها وخلفه ابنه نور الدين على حلب وأنزل بالصليبيين ضربات قاصمة وضم إليه دمشق. ولم تلبث الشام جميعها أن انضوت بعده تحت لواء صلاح الدين، وحطم حملة الصليب فى حطين وغير حطين واستنقذ منهم بيت المقدس وأكثر بلدان الشام. وظل يدفعهم إلى البحر المتوسط وما وراءه خلفاؤه الأيوبيون، ثم المماليك وسحقهم للمغول فى عين جالوت مشهور. وكانت مصر والشام فى أيام المماليك دولة واحدة إلى أن نزلتها جحافل العثمانيين وأصبحت ولاية عثمانية. وقد عرضنا المجتمع فى الشام وحياته الاقتصادية والاجتماعية وما كان ينعم به من الرخاء إلى أن حكمه العثمانيون حكما ظالما غاشما فانتكست فيه الزراعة والصناعة والتجارة. ومن قديم أخذت تتكاثر فى الشام فرق الشيعة من نصيرية ودروز وإمامية وإسماعيلية نزارية وهى المسماة بالفداوية وبالحشاشين. وقد مضت الشام تعنى بالزهد والتصوف وكثرت فيها-مثل مصر-الزوايا والخانقاهات والطرق الصوفية والدراويش.
وكان بالشام قبل الإسلام تراث يونانى علمى وفلسفى، وقد نفذت بمجرد دخولها فى الإسلام إلى حركة علمية خصبة، وتكثر فى بلدانها المدارس منذ أيام السلاجقة كثرة مفرطة، وكان طبيعيا أن تشارك فى حركة الترجمة للتراث اليونانى وفى العناية بعلوم الأوائل من رياضيات وطبيعيات وطب وجغرافيا بالإضافة إلى ما عنيت به من علوم اللغة والنحو والبلاغة النقد. ومنذ القرن الرابع الهجرى يتألق اسم كثيرين من نحاتها أمثال الزجاجى وابن خالويه وابن يعيش ونزيلها ابن مالك الأندلسى، ولعل لغويا عربيا لم يبلغ من الشهرة ما بلغه أبو العلاء المعرى، ونلتقى بحلقة نقدية بحلب زمن سيف الدولة، وتوالى فيها النقاد من أبى العلاء إلى يوسف البديعى أيام العثمانيين،