يخون الحظ قائدا من قواده يسمى قول بن عثمان، فيقتله الصليبيون، ويبكيه ابن الخياط شاعر دمشق بمثل قوله (?):
يا للرّجال لنازل لم يحتسب … ولحادث ما كان بالمتوقّع
تالله ما جار الزمان ولا اعتدى … بأشدّ من هذا المصاب وأوجع
يا قول قولة مكمد مستنزر … ماء الشئون له ونار الأضلع
أشكو إلى الأيام فيك رزيّتى … لو تسمع الأيام شكوى موجع
صل بعدها يا دهر أو فاكفف وخذ … من شئت يا صرف المنية أودع
وهى مرثية رائعة تمتلئ بأبيات تصور لوعات الدمشقيين فى هذا البطل وكارثتهم وفجيعتهم التى لا تماثلها فجيعة. وإن الشاعر ليستقلّ الدموع الغزار فيه وما وراءها من نار موقدة فى الصدور كمدا عليه، ولينزل الدهر بالدمشقيين بعدها فواجع أو فليكفّ، فلن يصيبهم مثلها فاجعة أو كارثة.
وتوفى نور الدين محمود سنة 570 فاهتزت الشام لفقده هزة شدة، وفى رثائه يقول العماد الأصبهانى فى إحدى مراثيه (?):
يا ملكا أيّامه لم تزل … لفضله فاضلة فاخره
غاصت بحار الجود مذ غيّبت … أنملك الفائضة الزاخره
ملكت دنياك وخلّفتها … وسرت حتى تملك الآخره
وتوفى بعده صلاح الدين بدمشق، وكانت لوفاته أوائل سنة 589 رنة حزن عميقة فى جميع القلوب والديار لكثرة فتوحاته، وقد أزاح الصليبيين عن صدر الشام وافتتح بيت المقدس ولم يبق معهم إلا عكا وأنطاكية وبعض حصون وبلدان قليلة، وبكاه الشعراء وفى مقدمتهم عماد الدين الأصبهانى، وله فيه مرثية بديعة ختم بها كتابه البرق الشامى، وفيها يقول (?):
أين الذى شرف الزمان بفضله … وسمت على الفضلاء تشريفاته