أما أبوه فكذاب أشر. وكان بدمشق فى زمنه طبيب يسمى أبا الحكم تصادف أن وقع ليلا فانشتر جفن إحدى عينيه، وكان هذا الطبيب كثيرا ما يرثى من يموت فقال عرقلة متندرا عليه:
لنا طبيب شاعر أشتر … أراحنا من شخصه الله
ما عاد فى صبحة يوم فتى … إلا وفى باقيه رثّاه
فهو يدعو عليه بالموت حتى يريح العباد منه، إذ لا يعود ولا يزور أحدا صباحا حتى يكتب له قصيدة رثاء مساء. فهل وراء ذلك شؤم يتمنى الناس الخلاص منه. وكان يقذع أحيانا فى هجائه، حتى فى الموت. ويقول فى رثاء بعض خصومه:
لقد حسنت به اليوم المراثى … كما حسنت به أمس الأهاجى
ولكن لجّ فى شتم البرايا … وكان القتل عاقبة اللّجاج
وهى شماتة تدل على أنه كان عدوانى المزاج، وله رثاء لاذع لبعض المجان، يقول فيه إن دنان الخمر وكئوسها وقيانها المغنيات يبكينه بكاء مرا.
هو أسامة بن مرشد بن على بن مقلد بن نصر بن منقذ الكلبى، من أعلام بنى منقذ أصحاب قلعة شيزر إلى الشمال من حماة ومن علمائهم وفرسانهم. ولد لأبيه سنة 488 وقد عنى بتعليمه وتدريبه على الفروسية وأتقنها سريعا، ولقى-وهو شاب-فى صيده أسدا فصرعه. ويقال إن أباه كان رجلا صالحا فترك إمارة القلعة لأخيه سلطان ولم يكن له ولد، فتبنّى أسامة وأخذ يعدّه للإمارة بعده. وكان اسم عماد الدين زنكى قد أخذ فى التألق منذ استيلائه على حلب سنة 524 فالتحق به أسامة وأبلى بلاء حسنا فى حروبه ضد حملة الصليب، حتى إذا أغاروا على شيزر سنة 532 عاد إليها مسرعا ودافع عنها دفاعا مستميتا حتى ارتدوا على أعقابهم خاسئين. وبمقدار فرحه