ما يلقانا فى ديوان مامية الرومى المتوفى سنة 987 ومديحه فيه للسلاطين سليمان وسليم الثانى ومراد الثانى. ويكثر حينئذ مدح العلماء وأعيان البلدان فضلا عن حكامها، وأخذ الشعراء يكثرون مثل المصريين من التاريخ بالشعر يؤرخون قدوم حاكم أو مناسبة من المناسبات يجعلون ذلك فى آخر شطر بالمدحة إذ تحسب حروف الكلمات فيه بحساب الجمّل، فيكون المجموع سنة الولاية للحاكم أو سنة المناسبة. وجدير بنا أن نعرض نفرا من شعراء المديح النابهين.
هو أبو عبد الله أحمد بن محمد التغلبى نسبة إلى قبيلة تغلب المولود بدمشق سنة 450 لخياط اشتهر بنسبته إليه، فهو من أبناء عامة الشعب الدمشقى. ودائما يلقانا فى كل البلدان العربية شعراء من أولاد العامة، لأن الثقافة العربية الإسلامية كانت مناهلها مفتوحة الأبواب دائما، إذ كان الشيوخ فى المساجد يعرضونها على الناس جميعا شبانا وشيبا، وكانت المساجد أو الجوامع الكبرى تشتمل على مكتبات غاصة بالكتب فى كل علم وكل فن وكذلك بدواوين الشعراء، مما أتاح للشباب فى كل بلد عربى أن يتزود بماشاء من الثقافة علمية وأدبية وأن ينبغ بينهم علماء وأدباء وشعراء لا حصر لهم.
وشهد ابن الخياط فى صباه دمشق ثائرة على حكم بدر الجمالى، حتى لقد أشعل أهلها النار فى قصره سنة 460 وسرت النار إلى الجامع فسقطت سقوفه وتناثرت فصوصه المذهبة، ونهبت الدور والدكاكين، وظل هذا الاضطراب سائدا فى دمشق وأخذ السلاجقة يحاصرونها ابتغاء الاستيلاء عليها حتى تم لهم ذلك سنة 468 وتملكها تتش أخو السلطان ألب أرسلان.
ومعنى ذلك أن الحياة كانت سيئة سوءا شديدا بدمشق منذ سنة 460 حتى نزلها تتش مما جعل كثير من أهلها يهاجرون منها إلى بلدان الشام الأخرى. وكان ممن هاجر منها فى هذه الأثناء ابن الخياط وكان لا يزال فى بواكير شبابه، وولّى وجهه نحو حماة، ووفد على أمير بها يسمى محمد بن مالك فقربه منه واتخذه كاتبا له، فعرف باسم ابن الخياط الكاتب، وفيه يقول:
حبانى جوده عيشا كأنّى … ظفرت به من الدّهر استراقا