سريعا نور الدين وفرّ جوسلين، وهنّأه الشعراء بهذا الفتح المبين، وفى مقدمتهم ابن قسيم الحموى بمثل قوله (?):
تبدو الشجاعة من طلاقة وجهه … كالرمح دلّ على القساوة لينه
والدين يشهد إنه لمعزّه … والشّرك يعلم إنه لمهينه
فتح الرّها بالأمس فانفتحت له … أبواب ملك لا يذال مصونه (?)
وولّى نور الدين وجهه نحو سوريا فاستولى من حملة الصليب على حصن أرتاح سنة 544.
ونازل صاحب أنطاكية وجموعه؛ وخرّ صريعا بيد أسد الدين شيركوه وفرّت جموع الصليبيين مهزومة مدحورة. وعاد نور الدين إلى حلب، والشعراء يهللون بمثل قول ابن منير فى مطلع قصيدة له (?).
أقوى الضلال وأقفرت عرصاته … وعلا الهدى وتبلّجت قسماته
وظلت أيام نور الدين محمود أعياد نصر على حملة الصليب، وظل الشعراء يدبجون فيه مدائح رائعة، وقد استولى من الصليبيين على أفامية سنة 545 واستولى من بيت طغتكين على مدينة دمشق سنة 549 ويهنئه عالمها وحافظها ابن عساكر قائلا (?).
لقد بلغت بحمد الله منزلة … عليّة فاقصد العالى من القرب
وطهّر المسجد الأقصى وحوزته … من النّجاسات والإشراك والصّلب
وفى نفس السنة يهزم الصليبيين بدلوك من ثغور حلب، ويتنازل له حملة الصليب فى أنطاكية عن نصف أعمال حارم. واستولى على شيزر وبعلبك وصرخد، وشغل بإرسال نور الدين شيركوه وابن أخيه صلاح الدين إلى مصر سنة 558 وتطورت الظروف وتملك صلاح الدين مصر. ونور الدين محمود يعدّ بحق منشئ الدولة الأيوبية. ولم يلبث فى سنة 559 أن استولى على مدينة حارم، وأخذت حصون كثيرة تتساقط فى يده، ويتغنى بانتصاراته الرائعة العماد الأصبهانى قائلا فى مطالع إحدى قصائده (?)