الثلاثة الذين افتتح بهم الجزء الأول من شعراء الشام وهم الغزى وابن منير والقيسرانى وفيه يقول:

«صاحب التطبيق والتجنيس، وناظم الدر النفيس» (?). وعلى شاكلتهم شعراء الخريدة لا فى استخدام الجناس وحده بل فى استخدام المحسنات البديعية جميعا، وكذلك من تلاهم من الشعراء الشاميين.

وكانت قد تكونت بمصر منذ أواخر أيام الفاطميين مدرسة حملت لواء المحسنات البديعية وأشاعتها فى شعرها ونثرها مضيفة إليها لونا جديدا هو لون التورية الذى يصور مزاج المصريين وميلهم من قديم إلى النكتة، وكان من السابقين إلى حمل هذا اللواء بأخرة من الدولة الفاطمية ابن قادوس وابن قلاقس، وحمله بعدهما القاضى الفاضل وابن سناء الملك وغيرهما. وكانت ديار الشام جميعها توحدت مع مصر لعهد صلاح الدين، وسرعان ما وجدنا ذوق هذه المدرسة المصرية يعم بلدان الشام، كما لاحظ ذلك الصفدى ونقله عنه ابن حجّة الحموى فى خزانته إذ ذكر السابقين فى المدرسة من شعراء مصر ثم قال: «وجاء من شعراء الشام جماعة تأخر عصرهم وتأزّر نصرهم» وعدّ منهم سيف الدين المشد المتوفى سنة 656 والشيخ شرف الدين عبد العزيز الأنصارى شيخ شيوخ حماة المتوفى سنة 662 وبدر الدين يوسف بن لؤلؤ الذهبى المتوفى سنة 680 ومجير الدين بن تميم المتوفى سنة 684 والشاب الظريف شمس الدين محمد بن العفيف المتوفى سنة 688 ومحيى الدين بن قرناص الحموى المتوفى سنة 712 وتمثل ابن حجة فى خزانته بأشعارهم فى محسنات البديع المختلفة وفتح لكل منهم فصلا طريفا فى باب التورية، واستطاعوا فى أحوال كثيرة أن يجعلوا لتورياتهم نفس خفة الروح التى تلقانا فى توريات المصريين مثل قول ابن لؤلؤ (?):

يمرّ بى كلّ حين … وكلما مرّ يحلو

وهو لا يريد «مر» من المرور وهو المعنى المتبادر لكلمة يمر فى أول البيت، وإنما يريد مرّ من المرارة عكس الحلاوة، وهو المعنى البعيد، ومثل قول مجير الدين بن تميم (?):

أيا حسنها من روضة ضاع نشرها … فنادت عليه فى الرياض طيور

ولضاع معنيان: أولهما من ضاع الزهر يضوع إذا فاحت رائحته، وثانيهما من ضاع الشئ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015