لم ينشأ فى مدن الشام الثلاث الكبرى: حلب أو دمشق أو بيت المقدس، وإنما نشأ فى بلدة المعرّة الصغيرة القريبة من حلب، وأخذ العربية واللغة عن علماء منها كبنى كوثر (?) ومن يجرى مجراهم من تلامذة ابن خالويه وطبقته، إذا عرفنا ذلك اتضح لنا النشاط اللغوى والنحوى الكبير الذى كان مبثوثا لا فى مدن الشام الكبرى فحسب، بل أيضا فى مدنها وبلدانها الصغرى.

وفى كتب التراجم نحاة مختلفون كانوا يدرسون اللغة والنحو ويعلمونهما للناشئة ومن تجاوزوا سن الناشئة نذكر منهم فى زمن أبى العلاء، أحمد (?) بن عبد الرحمن الطرابلسى ويذكر مترجموه أنه كان لا يزال حيا يعلم ويدرس سنة 413 لطلابه بطرابلس إلى أن وافاه بها القدر. وكان يعاصره عالى (?) بن أبى الفتح بن جنى المتوفى سنة 452 وكان يعلم العربيةى صور وصيداء ونلتقى من شراح المتنبى بالوأواء (?) الحلبى اللغوى المتوفى سنة 551 وهو غير الوأواء الدمشقى شاعر سيف الدولة، كما نلتقى فى شيزر بمرهف بن أسامة بن منقذ المتوفى سنة 613 وله شرح (?) على ديوان المتنبى، وتوفى معه فى نفس السنة أبو اليمن التاج الكندى زيد (?) بن الحسن نحوىّ دمشق المشهور. وتزدهر الدراسات اللغوية والنحوية فى الشام أثناء القرن السابع الهجرى، ويلقانا أعلام ثلاثة كان لكل منهم شطر فى هذا الازدهار، أولهم يعيش (?) بن على بن يعيش الحلبى الدار والمولد، ولد بحلب سنة 556 للهجرة وأكب فى نشأته على تعلم العربية وأخذها عن نحاة موطنه، ولم يكتف بذلك فقد رحل إلى بغداد ثم دمشق يأخذ عن شيوخهما، وعاد إلى حلب يعلم العربية حتى وفاته سنة 643 وكان يقرأ على طلابه بعض كتب ابن جنى ويشرحها مثل اللمع والتصريف، وأهم من شرحيه عليهما شرحه على كتاب المفصل للزمخشرى وهو منشور فى عشر مجلدات استقصى فيه آراء النحاة من بصريين وكوفيين وبغداديين، ويكثر من انتصاره للبصريين، وقلما يستحسن آراء الكوفيين، وكثيرا ما يؤثر آراء البغداديين من أمثال أبى على الفارسى، وهو بذلك يسلك فى المدرسة البغدادية التى كانت تجمع فى مصنفاتها بين آراء النحاة البصريين والكوفيين وتنفذ إلى آراء جديدة فى هذه المسألة أو تلك، وفى كتابنا «المدارس النحوية» توضيح كاف لمنهج ابن يعيش فى النحو واختياره لآراء النحاة فيه من بصريين وكوفيين وبغداديين. .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015