6 - الزهد (?) والتصوف

الشام-من قديم-بلد دين سماوى، بل دينين سماويين هما اليهودية والمسيحية، مما جعل لها تأثيرا بعيدا فى تاريخ العالم الروحى، إذ عملت بقوة على نقله من دور الوثنية إلى دور الديانات السماوية، وبدأ ذلك منذ أعتق الأزمنة ونقصد زمن إبراهيم الخليل عليه السلام الذى آمن بوحدانية الله، وحاول أن يحمل عليها قومه، وتتابعت بعده الرسل تؤكد دعوته وتدعو إلى عبادة الله وإعلاء القيم الروحية، حتى إذا كانت المسيحية وأدخلت فيها مصر نظام الرهبنة والمعيشة الخالصة لتعبد الله والنسك فى الأديرة والصوامع عمّت هذه الروح فى الشام واعتزل كثيرون منه- فى أيام الرومان الظالمة-الحياة اليومية العاملة إلى الرهبنة. وتعتنق كثرة السكان فى الشام الدين الحنيف ويقبلون على تعاليمه وعبادة الله الواحد الأحد حق عبادته وعلى ما تدفع إليه من النسك والتقوى، مقتدين بمن نزل بينهم من جلّة الصحابة وبخاصة من أهل الصّفّة الذين كانوا يلازمون المسجد النبوى مقبلين على عبادة الله زاهدين فى الدنيا ومتاعها الزائل من أمثال بلال بن رباح مؤذن الرسول صلّى الله عليه وسلم وأبى عبيدة فاتح الشام مع خالد بن الوليد، وكان على غرارهما زهدا فى الدنيا معاذ بن جبل المتوفى مع أبى عبيدة فى سنة 18 للهجرة بطاعون عمواس، ويؤثر عنه أنه كان يقول حين نزل به القضاء: «مرحبا بالموت، مرحبا بزائر حبيب جاء على فاقة، اللهم إنك تعلم أنى كنت أخافك، وأنا اليوم أرجوك، وإنى لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لكرى الأنهار ولا لغرس الأشجار ولكن لظمأ الهواجر ومكابدة الساعات ومزاحمة العلماء بالرّكب عند حلقات الذكر».

طور بواسطة نورين ميديا © 2015