استقرت أمور الحكم وشئون الدولة فى مصر بيد صلاح الدين سنة 567 للهجرة، فعاد بمصر إلى الخلافة العباسية، وسار فى نفس السنة لحرب حملة الصليب فحاصر الشوبك ورفع الحصار عنها، وعاد إليها فى السنة التالية ثم تركها إلى مصر. وتوفى نور الدين كما ذكرنا وأخذ يفكر جادا فى جمع كلمة البلدان المجاورة للصليبيين حتى يقضى عليهم قضاء مبرما. وخرج من مصر فى سنة 570 فاستولى على حمص وحماة والمعرة وكفرطاب، ويولّى على حماة أخاه تقى الدين وعلى بعلبك ابن أخيه فرّخشاه ويستولى على منبج وإعزاز ويواقع الصيلبيين فى السنوات: 573 و 574 و 575 وينصره الله عليهم نصرا عظيما. ويستولى على الموصل، وتبلغه وفاة إسماعيل بن نور الدين.
ويخرج إلى الشام سنة 578 فى جيش جرار لجهاد حملة الصليب، وهى آخر مرة يفارق فيها مصر لحربهم ويظل ينازلهم عشر سنوات طوالا، وتتبعه حلب ويولى عليها ابنه الملك الظاهر. وفى سنة 582 يقسم البلاد بين أبنائه وأهله فيعطى مصر ابنه العزيز عثمان وكان قد أعطى الظاهر حلب، ويعطى للأفضل ابنه دمشق ويعطى حماة والمعرة ومنبج لابن أخيه تقى الدين عمر، وسيتوالى هذا التوزيع. وهو من أكبر أغلاط صلاح الدين فإن بساطا قد يتسع لنوم عشرة من الرجال ولكن مملكة ضخمة لا تتسع لسلطان حاكمين، ولذلك لم تكد تمضى سنة على وفاته حتى دب الخلاف بين أبنائه ثم بين أمراء أسرته. ويغفر له ذلك بلاؤه العظيم فى حرب حملة الصليب المعتدين.
ويقود صلاح الدين فى سنة 583 جحافل جرّارة ويتجه بها نحو طبرية، وتتجمع له حشود الصليبيين بقيادة جاى لوزيجنان ملك بيت المقدس وتلتقى سريّة له فى حيفا بجماعة من الداوّية والإسبتارية الذين نذروا أنفسهم لحرب المسلمين فلا تبقى منهم باقية، ويلتقى الجمعان فى سهل حطّين إلى الغرب من بحيرة طبرية، وتدقّ أعناق حملة الصليب دقا شديدا ويفرّ على وجهه ريموند