إصلاحها، ولكن الشام كانت قد أفلتت منه إلا ساحلها الجنوبى. وكان المظنون أن يرث السلاجقة تلك الدولة المنهارة، غير أنهم اتبعوا فى حكمهم نظاما سرعان ما ضعضع دولتهم إذ اتخذوا فيها نظام الأتابكة، وهو أن يكون مع كل حاكم لبلد أتابك أو بعبارة أخرى قائد يدير أمرها، ولم يلبث نفوذ هؤلاء الأتابكة أن ازداد وأصبحوا هم الحكام الحقيقيين. وبذلك تفككت سريعا أوصال دولتهم الضخمة وتحولت إلى دويلات على نحو ما مر بنا آنفا من دولة البوريين فى دمشق والدولة الأرتقية فى بيت المقدس، حتى إذا قدم الصليبيون فى العقد الأخير من القرن الخامس الهجرى لم يجدوا أمامهم قوة تدفعهم دفعا إلى البحر المتوسط وماوراءه فلا السلجوقيون محتفظون بقوتهم القديمة التى أزالوا بها بيزنطة ودفعوها من آسيا إلى أوربا ولا الفاطميون محتفظون بشئ من القوة يستطيعون أن يدفعوا به عن بلدانهم الساحلية فى الشام هذا الوباء الصليبى الجارف.
ويظهر الجيش الصليبى أمام أسوار أنطاكية سنة 491 للهجرة ويظل محاصرا لها حتى يستولى عليها سنة 492 مؤسسا بها إمارة، بينما يتسلل بلدوين إلى الرّها فى سنة 491 ويستولى عليها دون مقاومة تذكر ويؤسس بها إمارة هى الأخرى. واجتاز الصليبيون جبال النّصيرية محاذين الساحل واستولوا سنة 492 على بيت المقدس متخذين منه إمارة ثالثة جعلوا جود فرى رئيسا لها، ولم يلبث أن رقى عرشها بعده بلدوين الأول وعهدوا إلى الكونت ريمونددى تولوز حصار طرابلس والاستيلاء عليها وظلت تقاومه سنين عددا حتى سقطت سنة 502 واتخذوا منها إمارة رابعة لهم.
وأخذ بلدوين فى نفس السنة ينشط فى غزو مدن الساحل: عكا وقيسارية وصيداء وبيروت وقاومته مقاومة صلبة. وخلفه أخوه بلدوين الثانى الذى استولى على صور سنة 518 ولم يفلح فى الاستيلاء على دمشق وظلت أيدى الصليبيين أقصر من أن تصل إلى بلدان الشام الداخلية مثل بعلبك ودمشق وحمص وحماة وحلب.
لم يلبث أن تنبه أتابك عظيم من أتابكة السلجوقيين هو زنكى عماد الدين التركمانى أمير حلب