واللحيانيون عرب شماليون، كتبوا نقوشهم بالخط المعينى المسند مما يدل على أثر الجنوبيين فيهم، ولعلهم كانوا يختلطون بقوم منهم، وقد كتب الثموديون الذين كانوا يقيمون هم أيضا فى شمالى الحجاز وكانوا عربا مثلهم بهذا الخط الجنوبى، الذى انتشر إلى منازل العرب فى الصفا بحوران جنوبى دمشق، مما يؤكد علاقة وثيقة بين هذه الأجزاء وعرب الجنوب حين كانوا يسيطرون على طريق القوافل التجارية من القرن الثامن إلى القرن الثالث ق. م. وهو القرن الذى قامت فيه إمارة عربية فى شمالى الجزيرة هى إمارة النبط، فقد كان أهل هذه الإمارة يأخذون عن الجنوبيين تجارتهم ويحملونها بدورهم إلى الشام ومصر، واتخذوا «بطرا» حاضرة لهم، هكذا ورد اسمها عند اليونان ولعله ترجمة لاسمها الذى جاء فى التوراة وهو «سلع» وكانت الحجر (مدائن صالح) حاضرتهم فى الجنوب بينما كانت بصرى حاضرتهم فى الشمال. ويظهر أن قبائل من هؤلاء النبط كانت قد سبقت إلى الإغارة على بلاد الآراميين شمالا، فتحضرت بحضارتهم واستخدمت كتابتهم الآرامية فى نقوشها، بينما ظلت تتكلم العربية فى أحاديثها اليومية. وبذلك نلتقى عند هؤلاء النبط بنقوش عربية كتبت بالخط الآرامى على نحو ما التقينا عند اللحيانيين والثموديين بنقوش عربية كتبت بالخط المعينى المسند، غير أن الخط الآرامى هو الذى انتصر فقد تطورت نقوشه حتى انتهت إلى الخط العربى الذى أشاعه الإسلام.
والمظنون أن الأنباط لم ينزحوا من نجد إلى شمالى الحجاز، بل نزحوا من بادية الشام، واستطاعوا أن ينهضوا بحضارة راقية لا تزال تدل عليها آثارهم فى بطرا حاضرتهم الكبيرة. وقد ظلت دولتهم نحو أربعة قرون، من القرن الثالث ق. م.
إلى أوائل القرن الثانى الميلادى، وكانت العلاقة بينهم وبين البطالسة ثم بينهم وبين الرومان حسنة، إذ حالفاهم ولم يتعرضا لاستقلالهم حتى كانت الفتنة اليهودية على عهد طيطوس، فقضى الرومان على استقلالهم وضموا بلادهم إلى دولتهم الرومانية سنة 106 للميلاد.
وعاد العرب الشماليون إلى الظهور فى مملكة تدمر شمالى بادية الشام فى أثناء القرنين الثانى والثالث الميلاديين، وكانت السيادة فيها لهم، غير أن السكان كان