وإنه ليزدرى الطمع فى الدنيا الذى يتحول بالعالم إلى ما يشبه دوّارة الريح فهو يدور مع نفعه المهين، ناسيا أن من شأن علمه أن يجعله مخدوما لا خادما وسيدا لا عبدا ذليلا، وإلا كان الجهل خيرا منه وأكثر عائدة على صاحبه. ويحمل حملة شعواء على من يراهم حوله من العلماء صغار النفوس الذين لم يصونوا حرمة العلم بل دنّسوه ولطخوه بهوان أليم.

الطّغرائىّ (?)

هو أبو إسماعيل مؤيد الدين الحسين بن على بن محمد، الكاتب الشاعر الذى غلب عليه لقب الطّغرائى لعمله فى دواوين الطّغراء، وهى الطّرّة التى يكتبها عادة رئيس ديوان الإنشاء فى أعلى الكتب فوق البسملة بالخط الغليظ متضمنة نعوت السلطان أو الحاكم الذى يصدر الكتاب باسمه. وقد ولد بأصفهان سنة 453 لأسرة عربية تنتسب إلى أبى الأسود الدؤلى، ولا نعرف شيئا واضحا عن نشأته ولكن ثقافته الأدبية والعلمية العميقة تدل على أنه اختلف إلى دور العلم وحلقات العلماء منذ نعومة أظفاره وأنه تثقف على أيدى جهابذة موطنه من اللغويين والفقهاء والأدباء وأصحاب الصنعة (الكيمياء) وله فيها مصنفات مختلفة (?) ويبدو أن ملكته الشعرية استيقظت فى نفسه مبكرة، فسال الشعر على نساء، ووفد به على الرؤساء، وكان من أوائل من وفد عليهم فضل الله بن محمد صاحب ديوان الإنشاء لألب أرسلان، وأعجب به وبشعره، فعينه كاتبا فى الديوان وأوصله إلى الوزير نظام الملك فاستمع إلى مدائحه فيه، ورحّب به. وحدث أن اشترك الفضل فى مؤامرة كبرى على نظام الملك وانكشفت المؤامرة، وألقى به فى غياهب السجون، وظل الطغرائى يحفظ له صنيعه معه ويواسيه فى محنته ببعض أشعار يدبّجها فى مديحه. وكان نظام الملك حصيفا. فلم يأخذ على الشاعر شيئا من وفائه لصاحبه، وظل الطغرائى يعمل فى دواويته. كما ظل على صلته به يمدحه فى المناسبات ومن مدائحه البديعة فيه بائيتان، يشيد فيهما به وبانتصارات جيوش الدولة فى الشرق وفى الغرب على شاكلة قوله:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015