وقد عرض فى موسوعته الكلامية «المغنى فى أبواب التوحيد والعدل» لإعجاز القرآن فى الجزء السادس عشر منها. وأدّاه الحديث فى الإعجاز إلى عرض كلام أبى هاشم الجبّائى فى أن المدار فى الإعجاز ليس على نظم القرآن وإنما على فصاحته. ويأخذ عبد الجبار فى توضيح معنى الفصاحة، فيقول-كما قال عبد القاهر الجرجانى من بعده-إن الفصاحة لا تظهر فى أفراد الكلام، فالكلمة فى نفسها لا تعدّ فصيحة، بل لابد من ملاحظة أبدالها ونظائرها وحركاتها فى الإعراب ومواقعها فى التقديم والتأخير. وبذلك يقترب بوضوح من عبد القاهر فى تفسيره للنظم فى كتابه دلائل الإعجاز، إذ يشير فى صراحة إلى الخصائص النحوية وما ترسم من فروق فى الكلام، أو بعبارة أدق يريد-كما أراد عبد القاهر- النظام النحوى للكلام. ويمنع عبد الجبار-كما منع عبد القاهر فيما بعد-أن يكون للفظة صفة أدبية فى الكلام من حيث هى لفظة مفردة، فالمدار على موقع الكلمة وكيفية إيرادها وطريقة أدائها. ويقول عبد الجبار إن حسن النغم وجمال اللفظ لا وزن له فى الفصاحة، مع أنهما يضيفان إلى الكلام رونقا وبهاء.
وهذه النظرية (?) الجديدة للفصاحة تناولها عبد القاهر الجرجانى (?) المتوفى سنة 471 كما قدمنا، فبسطها أعظم بسط وفسرّها أروع تفسير بحيث أصبحت منسوبة إليه عند القدماء والمحدثين إذ وضع على أساسها علم المعانى المعروف بين علوم البلاغة العربية، فالأصل من لدن عبد الجبار والعلم بشعبه وتفاريعه التى يصورها كتاب دلائل (?) الإعجاز من لدن عبد القاهر. وكما وضع علم المعانى وضع علم البيان وضعا نهائيا فى كتابه (?) أسرار البلاغة، وضعه بتشبيهاته وتفريعاتها الكثيرة وباستعاراته التصريحية والمكنية والتمثيلية وبمجازاته اللغوية والعقلية، مع روعة العرض وطرافته، ومع الاهتمام الطريف بالجوانب النفسية. ويخلفه الزمخشرى فيطبق فى تفسيره الكشاف مباحثه فى علمى المعانى والبيان تطبيقا حيا خصبا مضيفا إليها من حين إلى حين إضافات (?) بارعة، سواء فى