بكى المنبر الشرقىّ إذ خار فوقه … على الناس ثور قد تدلّت غباغبه (?)

فكيف رأيت الحقّ قرّ قراره … وكيف رأيت الظلم آلت عواقبه

وكان المعتز من أقرب الخلفاء إلى نفسه، فأكثر من مديحه ووصف قصوره وتسجيل الأحداث لزمنه، ومدح معه ابنه عبد الله وتوثقت بينهما الصداقة، ومما سجله من الأحداث لعهده وعهد المستعين قتل القائد التركى أتامش وكاتبه شجاع (?) لسنة 249 وقتل بغا الشرابى (?) قاتل المتوكل لسنة 254 ونراه يمدح القائد التركى وصيفا (?) الكبير وابنه صالحا (?) ويكرر حينئذ تشوقه إلى وطنه، ويستأذن مرارا فى الإلمام به. ويكثر من مديح الشاه ابن ميكال قائد المستعين ووزيره أبى صالح محمد بن يزداد وابنه عبيد الله وأخيه القاسم. ويضطر قواد الترك المعتزّ إلى خلع نفسه فى سنة 255 ويتولى المهتدى بعده الخلافة لنحو عام واحد، ويغدو إليه ويروح بقصائده مصورا تقاه وزهده وانصرافه عن الملاهى ومتاع الحياة الزائل ونشره للعدل فى ربوع دولته وإذلال جيوشه للروم ونزولهم على إرادته صاغرين. وسرعان ما ثار عليه الأتراك وخلعوه وولوا بعده المعتمد، وهو آخر الخلفاء الذين مدحهم البحترى، وكان الخليفة الحقيقى لعهده أخاه الموفق، وكان حازما شجاعا واسع التدبير، وهو الذى قضى على ثورة الزنج وهزم يعقوب الصفار الثائر بإيران هزيمة ساحقة. ويصور البحترى فى مديحه للمعتمد بأس جيوشه وانتصاراتها الحربية، ويصف القصر الذى احتفل ببنائه وسماه المعشوق ونوّه به، وله قصيدة رائعة يهنئ فيها الموفق بقمعه لثورة الزنج، وفيها يخاطبه بقوله (?):

أخذت بوتر الدين مثنى وظفّرت … يداك فلم يفلت عدوّ تطالبه

ولم يترك حينئذ وزيرا ولا كاتبا كبيرا إلا ويمدحه ويأخذ جوائزه، وكان المعتمد استوزر عبيد الله بن يحيى بن خاقان الذى وزر قديما لأبيه المتوكل، فلزمه البحترى، وفكّر فى أن يرتجع منه الضياع الكثيرة التى كان المتوكل أقطعها إياه؛ فأكثر الشاعر من التوسل إليه، حتى يتركها له. وقصيدته (?):

طور بواسطة نورين ميديا © 2015