ولا كل ما يسام به من ضروب الخسف والعسف، ويبلغ ابن الجهم من ذلك حدّا يفوق كل وصف حين يقول لصاحبته (?):
قالت حبست فقلت ليس بضائرى … حبسى وأىّ مهنّد لا يغمد (?)
أو ما رأيت اللّيث يألف غيله … كبرا وأوباش السّباع تردّد (?)
والشمس لولا أنها محجوبة … عن ناظريك لما أضاء الفرقد
والبدر يدركه السّرار فتنجلى … أيّامه وكأنّه متجدّد (?)
والغيث يحصره الغمام فما يرى … إلا وريّقه يراح ويرعد (?)
والنار فى أحجارها مخبوءة … لا تصطلى إن لم تثرها الأزند
والزّاعبيّة لا يقيم كعوبها … إلا الثّقاف وجذوة تتوقّد (?)
وهو يمثل نفسه لصاحبته سيفا مسلولا وضع فى غمده، بل كأنه أسد فى أجمته وشمس فى حجابها وبدر فى سراره، بل لكأنه غيث مضمر فى غمامه ونار مكنونة فى زندها ورمح يصقله مثقفه. وهى صور تعبر عن نفس صلبة قوية وأنها ظلت على الرغم من محنة السجن سالمة لم يصبها وهن ولا خور. وينفى إلى خراسان ويسجن ويصلبه أميرها يوما عاريا وتظل له نفسه الصلبة ويزأر منشدا (?):
ما عابه أن بزّ عنه لباسه … فالسيف أهول ما يرى مسلولا
فهو مثل السيف أهول وأهيب ما يرى حين يجرّد من غمده ويصوّب إلى الرقاب.
ولابن الجهم أشعار كثيرة فى وصف الطبيعة الصحراوية وأطلالها ونوقها وفى وصف الطبيعة الحضرية ورياضها ورياحينها، ومرت بنا فى الفصل الماضى قطعة له بديعة