مسلوكا، ألتمس بذلك جزيل الثواب وكريم المآب ورضا الملك والزلفة عنده، فعاد ما عملته هباء، ولم أجد منه شيئا مشكورا، وما يقعقع لمثلى بالشّنان (?) وإنى لألوى بعيد المستمرّ (?) فإن يستتم الملك صنيعته ويربّ (?) نعمته فأنا بين العصا ولحائها (?)، وإلا فسيجدنى جذل حكاك (?) إذا نكأت (?) قرحة أدميتها، أحمر (?)، ضرابا بالسيف، والسلام».
فلما قرأ النمر الرسالة عرف أنه عزم على الانتقاض عليه فجمع وزراءه، وكانوا ثلاثة، فاستشارهم فى أمره، فأشار الأول بالكتابة إليه فى إيجاز لتبيّن دخيلة أمره وحقيقة موقفه إن سلما فسلم وإن حربا فحرب، وأشار الثانى بالصفح عن زلّته، فإن الحرب سجال، وهى حتى على الظافر خسارة فى الأموال والرجال، وأشار الثالث بمحاربته قبل استفحال أمره وحتى لا يظن غيره من الولاة أن بالنمر ضعفا، فيحاكوه ويسقطوا عن ظهورهم فرائض السلطان وخراجه، وأخذ النمر بقول الوزير الأول، فكتب إلى الذئب رسالة، نسختها:
«بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا محمد النبى الكريم، أما بعد فإنى رأيتك تقدم رجلا وتؤخر أخرى، فإذا نظرت فى كتابى هذا فاعتمد على أيهما شئت فإن كنت سلما فأقبل وإلا فأذن بحرب، والسلام».
ولجّ الذئب فى عصيانه، ونشبت بينه وبين النمر معارك حامية الوطيس، انتهت بمقتله والقبض على الثعلب وزيره ومدبر أموره، وكاد أن يقتل لولا ما لا حظ النمر من ذكائه ودقة تفكيره، مما جعله يعده أن يبقى على حياته إن هو أحسن الإجابة على ما يلقى عليه من أسئلة. وتتوالى الأسئلة فى الإنسان والعقل وحظ العقلاء منه وتفاضلهم فيه وفى مكانة العقل من العلم وأثره فى سلوك الإنسان وشيمه الخلقية وما يصيبه من خير أو شر. وتلقانا فى هذه الإجابات طرافة تفكير سهل