والماضى مفقود مستخلف منه، والباقى محمود مرضىّ به، وأمر الرعية قائم معدول فيه».

وننتقل إلى عصر المهدى فنلتقى بأبى عبيد الله معاوية (?) بن عبيد الله بن يسار وكان المنصور ضمّه إليه حين أنفذه إلى الرىّ ليكتب له ويصدر عن رأيه ومشورته، فلما ولى الخلافة استوزره وفوّض إليه الدواوين، حتى إذا كانت سنة 163 صرفه عن وزارته واقتصر به على ديوان الرسائل وما زال يليه حتى سنة 167. ثم صرفه المهدى عنه أيضا، ولم يلبث أن توفى سنة 170 للهجرة.

وكان غزير العلم جذاب الحديث بارعا فى القول، ومن طريف ما رواه له الجاحظ قوله: «التماس السلامة بالسكوت أولى من التماس الحظ بالكلام، وقمع نخوة الشرف أشد من قمع بطر الغنى، والصبر على حقوق النعمة أصعب من الصبر على ألم الحاجة، وذل الفقر قاهر لعز الصبر، كما أن عز الغنى مانع من الإنصاف إلا لمن كان فى غريزته فضل كرم وفى أعراقه مناسبة لعلو الهمة (?)».

وكان أهل الخراج يعذّبون بصنوف من العذاب: من السباع والزنانير والسنانير، فكتب إلى جميع العمال برفع العذاب عنهم. وقد اشتهر ببراعته فى التحميدات التى كانت تصدّر بها الرسائل والكتب من مثل قوله (?):

«الحمد لله الذى جعل الإسلام رحمة قدّمها لعباده قبل خلقه إياهم واستيجابهم إياها منه، فاصطفاه لنفسه وشرعه لهم دينا يدينون به، ثم جعل تجديد وحيه ومتابعة رسله رحمة تلافاهم بها بعد تقديمها ومنّة ظاهره، عليهم قبل استيجابهم لها، تطولا على العباد بالنعماء، وإعذارا إليهم بالحجج وتقدمة بالوعد وإنذارا إليهم عواقب سخطه فى المعاد. والحمد لله الذى ابتعث محمدا صلى الله عليه وسلم بهداه وشرائع حقه على فترة من الرسل وطموس من معالم الحق ودروس من سبل الهدى، عند الوقت الذى بلغ فى سابق علمه ومقاديره أن يجتبى فيه لدينه الأصفياء، ويختار له لأولياء، الظاهرين بحقه القاهرين لمن ابتغى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015