المطلب بن عبد الله الخزاعى معلنا له أن مدحه فيه كان كذبا وبهتانا، وقد ولى المطلب مصر فى سنتى 198 و 199 للهجرة وكان يقيم عياش بن لهيعة على شرطته، فهل يعنى ذلك أنه نزل مصر مرتين: مرة فى أواخر القرن الثانى ومرة فى أوائل العقد الثانى من القرن الثالث؟ . الحق أنه ليس بين أيدينا ما يجعلنا نقطع برأى فاصل فى ذلك، وخاصة أنه ليس فى ديوانه مديح للمطلب، وربما قال هذين البيتين بعد عزل المطلب عن مصر أو ربما كانا منحولين عليه.
وقد عاد إلى موطنه فى سنة 214 والمآتم منصوبة فى كل مكان على بطل طيئ المغوار محمد بن حميد الطوسى الذى كافح بابك كفاحا مريرا، وخانه القدر فسقط فى ميدان النضال لأوائل هذه السنة. وتعمقت الحادثة نفس أبى تمام فبكاه بكاء حارّا أخذ يدور على الألسنة وأخذ يحتلّ به مكانة ممتازة بين الشعراء وأخذ يتردّد على الرقة والموصل ويمدح أجوادهما مثل حبيش بن المعافى قاضى نصيبين ورأس عين ومحمد بن حسان الضبى، ونراه يقول فى إحدى مدائحه له (?):
بالشام أهلى وبغداد الهوى وأنا … بالرّقّتين وبالفسطاط إخوانى
وما أظن النّوى ترضى بما صنعت … حتى تشافه بى أقصى خراسان
وذكره الفسطاط يدل على أنه كان حديث عهد بالأوبة منها، ولا تزال ذكرى واليها عبد الله بن طاهر حية فى نفسه، ولذلك ينوى أن يزوره فى خراسان: ولايته الجديدة، وهو يتمنى أن تكتحل عيناه بمرأى بغداد، ويظهر أنه ألمّ بها فى صحبة محمد بن حسان الضبى إلماما قصيرا (?)، وفى ديوانه قصيدة موجهة إلى الحسن بن سهل الذى كان جوده الغدق لا يزال يسيل على الرغم من اعتزاله الوزارة وفيها يقول (?):
ستّ وعشرون تدعونى فأتبعها … إلى المشيب ولم تظلم ولم تحب (?)
فإذا صح أنه مدحه بها فى بغداد فإنه يكون قد زارها وهو فى السادسة والعشرين من عمره. على أنه لم يلبث أن عاد سريعا إلى الموصل متنقلا بينه وبين موطنه،