وشاع فى العصر بكاء الرفقاء والأصدقاء، بكاء يفجر الحزن فى النفس، لما يصور من شقاء الأصدقاء بموت رفاقهم وكيف يصطلون بنار الفراق المحرقة، من مثل قول بشار فى ندب أحد أصدقائه من الزنادقة (?):

اشرب على تلف الأحبّة إننا … جزر المنية ظاعنين وخفّضا (?)

ويلى عليه وويلتى من بينه … كان المحبّ وكنت حبّا فانقضى

قد ذقت ألفته وذقت فراقه … فوجدت ذا عسلا وذا جمر الغضا (?)

وكان إخوتهم وأبناؤهم يموتون تحت أعينهم، فتدور بهم الأرض ويبكون بدموع غزار، وينفّسون عن أنفسهم بأبيات تصور الحزن المقيم فى قلوبهم لا يبرح، من مثل قول العتبى فى ابن له اختطفه الموت بعد أبناء آخرين، وقد مات فى ريعان شبابه (?):

وقاسمنى دهرى بنىّ بشطره … فلما تقضّى شطره عاث فى شطرى (?)

ألا ليت أمى لم تلدنى وليتنى … سبقتك إذ كنا إلى غاية نجرى

وكنت به أكنى فأصبحت كلما … كنيت به فاضت دموعى على نحرى

وعلى نحو ما تفجعوا على أبنائهم وإخوتهم تفجعوا على زوجاتهم تفجعا كله عطف وبر ورحمة، ولابن الزيات مراث مختلفة لزوجته، توضح من بعض الوجوه ثراء الفكر العباسى بالخواطر وقدرته على تحليلها وتمثيل أحزانه وحزن طفله الذى افتقد عطف الأم وحنانها، من مثل قوله (?):

ألا من رأى الطفل المفارق أمّه … بعيد الكرى عيناه تبتدران (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015