وأقدم نحاة الكوفة أبو جعفر الرّواسى تلميذ عيسى بن عمر أستاذ البصريين، وخلفه معاذ بن مسلم الهرّاء المتوفّى سنة 187 ويقال إنه هو الذى وضع علم الصرف غير أننا نشك فى ذلك لأن الصرف مندمج فى كتاب سيبويه المتوفى قبله. وأرسخ منه قدما فى الدراسات النحوية الكسائى المتوفى سنة 189 وقد تتلمذ للخليل وتلقى عن الأخفش كتاب سيبويه، ونراه يشيد بالقياس قائلا:

إنما النحو قياس يتّبع … وبه فى كل أمر ينتفع

ويقول بعض البصريين: «لولا أنه دنا من الخلفاء فرفعوا من ذكره لم يكن شيئا، وعلمه مختلط بلا حجج ولا علل (?)»

وأهم نحاة الكوفة فى العصر الفرّاء المتوفى سنة 207 وكان مثل أستاذه الكسائى يقدّم السماع على القياس، وأكثر من قراءة كتاب سيبويه، ليحاول تعقبه ومخالفته فى بعض ألقاب النحو، وقد صاغ منها كثيرا أشاعه فى كتابه «معانى القرآن» مثل الجحد بدلا من النفى والتكرير بدلا من البدل والتفسير بدلا من التمييز (?).

وهو الذى جسّم الخلاف بين المدرستين الكوفية والبصرية لقدرته على الحجاج والجدل، ويقال إنه كان مثقفا ثقافة فلسفية واسعة، وأنه كان يستخدم فى كتبه ألفاظ الفلاسفة، ويدل على ذلك كتابه «الحدود» فى النحو فإن اسمه يحمل صلة قوية بينه وبين مباحث الحدود فى المنطق، ومن أهم كتبه «معانى القرآن» وهو يكتظ بآرائه النحوية.

وواضح مما قدمناه أن الكوفة لم تسهم مساهمة حقيقية فى وضع أصول النحو فقد سبقتها البصرة إلى ذلك محتكمة احتكاما شديدا إلى القياس (?)، وإلى نظرية العامل التى ينفرد بها نحونا العربى والتى تعدّ قوامه، وهى تدل على أن هذا النحو لم يوضع على أساس نحو أجنبى، فمحوره الذى تدور حوله بحوثه محور عربى خالص، إنما كل ما يمكن أن يقال إنه أفاد من العقلية العلمية الخصبة التى اكتسبها العرب فى العصر العباسى الأول من خلال تمثلهم للثقافات الأجنبية الفلسفية والعلمية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015