يؤخذ لا من لخم ولا من جذام لمجاورتهم أهل مصر والقبط، ولا من قضاعة وغسّان وإياد لمجاورتهم أهل الشام وأكثرهم نصارى يقرءون بالعبرانية، ولا من تغلب والنمر فإنهم كانوا بالجزيرة مجاورين لليونان، ولا من بكر لمجاورتهم للنبط والفرس، ولا من عبد القيس وأزد عمان لأنهم كانوا بالبحرين مخالطين للهند والفرس، ولا من أهل اليمن لمخالطتهم للهند والحبشة، ولا من بنى حنيفة وسكان اليمامة، ولا من ثقيف وأهل الطائف لمخالطتهم تجار اليمن المقيمين عندهم، ولا من حاضرة الحجاز لأن الذين نقلوا اللغة صادفوهم حين ابتدءوا ينقلون لغة العرب قد خالطوا غيرهم من الأمم وفسدت ألسنتهم (?)».
وعلى هذا النحو كان اللغويون يتوغلون فى نجد حيث المادة اللغوية الفصيحة التى يجمعونها من هنا وهناك ويملئون بها حقائبهم، وعن أبى عمرو بن العلاء شيخ البصرة: «لا أقول قالت العرب إلا ما سمعت من عالية السافلة وسافلة العالية» يقصد الجزء الغربى من نجد وما يترامى إليه من السفوح الشرقية لجبال الحجاز.
وسرعان ما أقبل من أغوار نجد إلى البصرة والكوفة ثم بغداد بعض الأعراب الفصحاء ليتكسبوا برواية الأشعار وتلقينها للناشئة وبعض العلماء اللغويين مثل ثور بن يزيد الذى أخذ عنه ابن المقفع الفصاحة (?)، وأبى سوّار الغنوى أستاذ أبى عبيدة (?)، ويسوق ابن النديم أسماء (?) طائفة كبيرة من هؤلاء الأعراب.
وقد تعاقبت فى هذا العصر ثلاثة أجيال من علماء البصرة والكوفة تجمع اللغة والشعر، ورأس الجيل الأول فى البصرة أبو عمرو بن العلاء المتوفى سنة 154 وقيل سنة 159 وهو أحد القرّاء السبعة المقدّمين الذين أخذت عنهم قراءات القرآن الكريم، وكان حجة ثبتا صدوقا، وفيه يقول الجاحظ: «كان أعلم الناس بالغريب والعربية وبالقرآن والشعر وبأيام العرب وأيام الناس (?)». وأشهر أفراد الجيل التالى له خلف الأحمر المتوفى سنة 180 والأصمعى المتوفى سنة 213 وفى تعيين سنة وفاته اختلاف كبير وأبو زيد الأنصارى المتوفى سنة 214 وأبو عبيدة المتوفى سنة 210.
وكان الأصمعى ثقة ثبتا ومجموعته الشعرية الملقبة بالأصمعيات بعيدة الشهرة،