والترجمة. وممن لمع اسمهم لعهد المنصور فى ترجمة كتب الطب اليونانى أبو يحيى البطريق المتوفى سنة 180 إذ عنى بنقل طائفة من كتب أبقراط وجالينوس (?).
وتنشط الترجمة فى عصر الرشيد ووزرائه البرامكة نشاطا واسعا، وكان مما أذكى جذوتها حينئذ إنشاء دار الحكمة أو خزانة الحكمة وتوظيف طائفة كبيرة من المترجمين بها وجلب الكتب إليها من بلاد الروم، وكان يقوم على هذا العمل الضخم يوحنا بن ماسويه وكان طبيبا نسطوريّا من مدرسة جنديسابور، وفيه يقول ابن جلجل: «قلده الرشيد ترجمة الكتب القديمة الطبية، مما وجد بأنقرة وعمورية وببلاد الروم حين سباها المسلمون، ووضعه أمينا على الترجمة، ووضع له كتابا حذّاقا يكتبون بين يديه (?)». وقد عاش ابن ماسويه طويلا إذ توفى سنة 243 وله مؤلفات كثيرة فى الطب وتركيب الأدوية. وأسهم فى الترجمة حينئذ جبريل بن بختيشوع كبير أطباء الرشيد إذ تضاف إليه كتب مختلفة فى الطب وكتاب المدخل إلى صناعة المنطق.
وللبرامكة فضل عظيم فى إذكاء الترجمة حينئذ، فقد شجعوا بكل ما استطاعوا على نقل الذخائر النفيسة إلى العربية من الرومية واليونانية والفارسية والهندية، من ذلك طلب يحيى بن خالد البرمكى إلى بطريرك الإسكندرية أن يترجم فى الزراعة كتابا عن الرومية، وقد ترجمه برسمه (?)، وكان مما عنوا به إعادة ترجمة بعض الكتب اليونانية التى ترجمت قبل عصرهم، بحيث تكون أكثر دقة وإتقانا، على نحو ما صنع يحيى بن خالد بكتاب المجسطى لبطليموس، فقد ندب له أبا حسان وسلما صاحب بيت الحكمة، فأتقناه واجتهدا فى تصحيحه بعد أن أحضرا النقلة المجودين، فاختبرا نقلهم وأخذا بأفصحه وأصحّه (?). وقد عنوا عناية واسعة بترجمة التراث الفارسى ونرى جيلا كبيرا ينهض فى عصرهم والعصر الذى تلاهم بهذه الترجمة نذكر من بينهم آل نوبخت وعلى رأسهم الفضل بن نوبخت الذى أكثر من ترجمة كتب الفلك (?)، وآل سهل وعلى رأسهم الفضل وكان يترجم للمأمون فى حداثته بعض الكتب