ودخل الحياة الأدبية في عهد المنصور شيء من تنظيم لم نسمع به قبل عهده، فقد جعل للشعراء ديوان، قيدت فيه أسماؤهم، وقدرت أعطياتهم بحسب مراتبهم من الشعر، وكان أمر الديوان موكولا إلى واحد من النقاد، هو عبد الله بن مسلمة، فعلى يديه كانت تخرج الصلات وعلى حسب ترتيبه كانت تجري أمور الشعراء (?) ، ومن السهل ان يتخيل المرء كيف كان هذا التنظيم مثيرا للتنافس مؤرثا لنار الحسد بين الأدباء انفسهم، مشيعا لروح التذمر بينهم، ولكن الرزق المنظم خير من ذلك الذي يجيء حسب البواعث والظروف، غير انه من الصعب علينا ان نتخيل المقاييس النقدية التي كانت تحكم لهذا الشاعر بالتقدم وعلى ذاك بالتأخر، ويبدو ان المحاكاة أو المعارضة كانت تؤخر صاحبها أو تحرمه أحياناً من التسجيل في الديوان، وحادثة ابن دراج قد تكون شاهدا على ذلك، فانه عندما تقدم بأول قصيدة له في مدح المنصور وعارض بها صاعدا، اتهم بالتقصير والانتحال والسرقة ولم يثبت اسمه في ديوان العطاء (?) ويقوي هذا الظن أيضاً حال الشاعر أبي المطرف عبد الرحمن ابن أبي الفهد كان شغوفا بالمعارضة والمناقضة حتى انه لم يكد يبقي شعرا جاهليا ولا إسلاميا إلا عارضه وناقضه، وكانت مرتبته في الشعراء دون مرتبة عبادة في الزمام (?) . وتشاء الأقدار أن يفد على قرطبة صاعد بن الحسين البغدادي في أيام المنصور فيحاول المنصور أن يخمل به ذكر القالي، وكانت هذه المحاولة مخفقة لسببين: الأول ان صاعدا كان نديما حسنا ذا نوادر وحكايات وشعر ومعرفة بالموسيقى ولم يكن من طبقة أبي علي، والثاني: أن القالي كان قد أحرز في قرطبة مكانة لا يستطاع طمسها أو التقليل منها،