ولم يلبث الأندلسيون أن ضاقوا ذرعا بحكم المرابطين لتسليطهم الفقهاء على الناس، ولتضييقهم شيئا مما تعوده الأندلسيون من حرية شبيهة بالفوضى. كما لم يلبث أمراء المرابطين أن تشبهوا بالأندلسيين في الأخذ بأسباب التحضر، وتقريب طبقة المثقفين، والعمل على تزيين مجالسهم بما يمحو بساطة الصحراء، وجنح بعضهم إلى الاستبداد. وإذا كان الشعر ذا دلالة اجتماعية فإن ظهور القصائد في مدح النساء قد يدل على ما كان لهن من سلطة واسعة في الحياة الإدارية. وقوى المرابطون في أسبانيا، الشعور باحترام المرأة ربة الدار؟ وذلك طبقا لما يقتضيه المثل الأعلى البربري الذي ظل متعلقا بنظام اجتماعي أولي يقوم على الأمومة (?) . وينسب المراكشي إلى تسلط النساء في شئون الدولة، قسطا وافرا من المسئولية في فساد حكم المرابطين: " واستولى النساء على الأموال وأسندت اليهن الأمور، وصارت كل امرأة من أكابر لمتونة ومسوفة، مشتملة على كل مفسد وشرير وقاطع سبيل وصاحب خمر وماخور " (?) . وبذلك تضعضعت القاعدة التي قامت عليها الدولة، وهي البعث الديني والجهاد، وابتعدت المسافة القائمة بين فئتي الادارة العليا، الفئة الاولى ويمثلها أمير المسلمينالصالح لزاهد المتبتل وحوله الفقهاء يتجادلون مجادلات نظرية في شئون الدين، والفئة الثانية ويمثلها ولاة مباشرون على الأندلس، مستبدون أو ضعاف تتصرف النساء في شؤؤن ولايتهم، وكان معنى ذلك أن أية ريح قوية تهب على الدولة، ستعصف بها. ولم يكد الموحدون يظهرون حتى كان القضاة والمغامرون في الأندلس، قد اعلنوا استقلالهم، كل في بلده وناحيته.