وينتقد لفظة " من " في بيت المتنبي، ويتعذر عنه بأنه كان يحفل بالمعنى ولا يبالي بالألفاظ، ويخشى ان يظن ظان انه يفضل نفسه على المتنبي فيستدرك قائلا: " وربما حمل علينا حامل فقال ان هذا الرجل يتعاطى رتبة في الشعر فوق رتبة المتنبي، وليس الأمر كذلك، لأنه لم يعترضه في جملة شعره وإنما اعترضه في لفظة، وهذا ليس بمستنكر ولا مستكبر " (?) ويبدو لنا أن ابن خفاجة شديد الإحساس بما يتطلبه نقاد عصره، فهو لا يكاد يأخذ في الرقة حتى يتلافاها: " بأوصاف الجزالة وألفاظ البسالة والجلالة، تلافيا أرسى قواعدها، وقوى معاقدها " (?) .
تلك صورة مجملة لما تيسره المصادر عن حياة النقد الأدبي في هذا العصر الذي نؤرخه، ومنها يتبدى لنا أن النقد الأندلسي لم يستقل بكيان واضح، شأنه في ذلك شأن النقد في العصر السابق، وأن المسؤول عن ضعفه انحياز مؤرخي الأدب إلى جانب المقامة في إظهار براعتهم الأسلوبية، وتأثره بالقواعد الأخلاقية والدينية وثورته على الإلحاد والفلسفة واللفظة " غير الشعرية ". وما يزال هذا النقد يدور حول تعميم الأحكام أو معالجة البيت الواحد بل اللفظة الواحدة، ولكنه؟ على أي حال - اعتمد بعض مصطلحات جديدة ووضح موقفه من المقاييس المعتمدة، فأنكر الاستعارات البعيدة وأعلى من قيمة البديع ومن عمل البديهة، وحاول ان يترسم الموروث. ووقع في صراع مع تعميم مقياس واحد كالجزالة أريد فرضه على كل موضوع شعري.