لها مرفقان أفتلان كأنما ... أمرا بسلمى دالج متشدد1
كقنطرة الرومي أقسم ربها ... لتكتنفن حتى تشاد بقرمد2
فقد أراد أن يصف ذنب الناقة بكثرة الهلب، وهو الشعر الكثير، فشبهه بجناحي النسر، وجعل فخذيها كبابي الصرع الممرد، وشبه تباعد ما بين مرفقيها وزورها بكناس الظبي حول الشجر، ثم شبه الناقة في ارتفاعها بقنطرة الرومي الذي جعله يقسم على قنطرته لتحاطن بالبناء ولتشادن بالقرمد، ولعمري ليس هذا القسم بأكثر من اللغو. وقد مر في مثل هذه التشبيهات حتى وصل إلى عيني الناقة فجعلهما، من حجاجيهما في مثل غارين من الجبل، ولوأنه مد في عنق هذه الناقة فشبهه بأطول من خراطيم السحاب.
وإنما تحسن المبالغة إذا لم يكن التشبيه منكشفًا هذا الانكشاف فيكون في إحدى جهاته سبب الأسباب التي يصح أن تتعلق عليه المبالغة، وسيأتيك هذا في موضعه مفصلًا.
ومن نوع قسم الرومي في شعر طرفة قوله متغزلًا يصف الأقحوان:
وتبسم عن ألمى كأن منورًا ... تخلل حر الرمل دعص له ندي3
سقته إياة الشمس إلا لثاته ... أسف ولم تكدم عليه بإثمد4
فحاصل البيتين أنه يشبه ثغر التي يتغزل فيها بالأقحوان الندي، ويقول إنها قد ذرت الإثمد على لثاتها "وسائر العرب يفعلن ذلك في الشفاه واللثات ليكون أشد للمعان الأسنان" غير أن تخلل الدعص الندى من الأقحوان المنور لحر الرمل، والوصول من ذلك كله إلى تشبيه الثغر بالرفيف واللمعان لا يعد فلاحًا في الغزل وأولى به أن يكون فلاحة.
والصنعة في شعر طرفة قليلة إلا أنها جيدة، وأرى شعر هذا الرجل كالشباب: حقيقة جماله في القوة والمتانة؛ فإن اتفق معه شيء من ظواهر الجمال كان ذلك بمجموعه كمالًا، فمن مشهور استعاراته قوله:
فإذا ما شربوها وانتشوا ... وهبوا كل أمون وطمر
ثم راحوا عبق المسك بهم ... يلحفون الأرض هداب الأزر
وهي غاية من غايات هذا الجواد: فإن البيت يصور الجمال والقوة والكبرياء، ويكاد يريك الناس مطرقين قد تعلقت أعينهم بهداب تلك الأزر. ومن هذه القصيدة بيت دائر في كتب اللغة والأدب،