ليس فيما وقع إلينا من شعر الجاهلية ما ينطق بأن صاحبه شاعر قبيلة بمجموع هذا المعنى، غير شعر طرفة؛ فهو إذا فخر رأيته يتكلم بلسان ملك قد ضمن طاعة قومه واستمسك بميثاقهم؛ وما [كان] أحق امرئ القيس بمثل هذا الفخر فيقيم به جهة من شعره قد تركها وهي تريد أن تنقض.
وقد وصف طرفة النوق وصفًا شعريا، ولكنه قصر في صفة الخيل وجاءت في كلمه متفرقات من الحكم والأمثال، وهي أبدع ما في شعره، ثم هو قد ضرب في الهجاء بالسهم الصائب ورجم فيه بالشهاب الثاقب، ولكنه قليل المديح نازل الطبقة فيه؛ ولم يؤثر له من ذلك إلا ما يرد على قومه، وهو مدحه لقتادة بن سلمة الحنفي حين أصاب قومه سنة فأتوه فبذل لهم؛ وثم أبيات قالوا إنه مدح فيها سعد بن مالك حين أطرد فصار في غير قومه وقد ذكرهم فيها بقوله:
وليس امرؤ أفنى الشباب مجاورًا ... سوى حيه إلا كآخر هالك
ولعل مديحها منحول إذ يقول فيه:
رأيت "سعودًا" من شعوب كثيرة ... فلم ترعيني مثل سعد بن مالك
وليس مثل هذا مما يقوله طرفة:
ويمتاز هذا الرجل بالمبالغة والإغراق، فكأنه ينظر إلى دقائق الوصف بعين من البلور ... وذلك كقوله في وصف الناقة:
كأن جناحي مضرحي تكنفا ... حفافيه شكا في العسيب بمسرد1
فطورًا به خلف الزميل وتارة ... على حشف كالشن ذاو مجدد2
لها فخذان عولي النحض فيهما ... كأنهما بابا منيف ممرد3
كأن كناسي ضالة يكنفانها ... وأطر قسي تحت صلب مؤيد4