الأبيات يقولها الرجل في حاجته، وإنما قصدت القصائد وطول الشعر على عهد عبد المطلب أو هاشم بن عبد مناف، وهاشم هذا هو الجد الثاني للنبي صلى الله عليه وسلم، فيكون ذلك قبل الهجرة بمائة سنة على الأكثر، وهو العهد الذي نبغ فيه عدي بن ربيعة التغلبي الملقب بالمهلهل، خال امرئ القيس، وقال الأصمعي: إنه أول من يروى له كلمة تبلغ ثلاثين بيتًا من الشعر، تقول: ولعل هذه الكلمة هي التي قام بها على قبر أخيه كليب ومطلعها:

أهاج قذاة عيني الادكار

أول من قصد القصائد

وإذا كان الشعر العربي طبيعيا كما أسلفنا، فإن العوامل في نموه لا بد أن تكون طبيعية، وعلى ذلك فنحن نرجح ما قالوه من أن عديا هذا هو أول من قصد القصائد وذكر الوقائع في شعره؛ لأنه كان غزلًا على همته، زير نساء على شجاعته، وكان أخوه كليب بن وائل الفارس المشهور أحد الثلاثة الذين اجتمعت عليهم معد، وهم عامر بن الظرب، وربيعة بن الحارث وكليب هذا "ص237ج1: ابن الأثير"، فلما قتل في الخبر المعروف، وكان قتله سبب الأيام بين بكر وتغلب، سير فيه عدي قصائد عدة، أرق بها الشعر وهلهله؛ وبهذا السبب لزمه لقب المهلهل، فكان طبيعيا بعد أن كان أخوه يعيره بأنه زير نساء، أن يعلن همته في القيام بثأره وحميته لذلك، وأن يشير بهذه الفجيعة ليعرف العرب منزلته من أخيه في الهمة، ومنزلة أخيه من نفسه في الحمية والجاهلية؛ وسنأتي على وصف هذه المراثي في ترجمته.

فكان الشعر قبل مهلهل رجزًا وقطعًا، فقصده مهلهل، ثم جاء امرؤ القيس فافتن به، وطل الرجز على قصره بمقدار ما تمتح الدلاء، أو يتنفس المنشد في الحداء، حتى كان الأغلب العجلي وهو على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فطوله شيئًا يسيرًا وجعله كالقصيد، وجاء بعده العجاج وهو وابنه رؤبة أشهر أهل الرجز، ففعل به ما فعل امرؤ القيس بالشعر بعد المهلهل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015