على وصفه من ذلك، فهذا قد يكون منه شيء في العدنانية قبل الميلاد أو حواليه، ولكنه بغير اللغة المضرية طبعًا، وإنما نريد بالشعر هذا الموزون المقفى، باللغة التي وصلت إلينا، وكل بحث فيما وراء ذلك لا يتعلق بهذه اللغة نفسها.
كانت منازل العدنانيين شمالي بلاد اليمن في تهامة والحجاز ونجد وما وراءها شمالًا إلى مشارف الشام والعراق، ويقال إن لغتهم واللغة الحميرية التي هي لغة عرب الجنوب في اليمن، من أصل واحد، على الاختلاف بينهما في الإعراب والضمائر والاشتقاق والتصريف، وهم ينتسبون إلى إسماعيل، فيكون بدء تاريخهم في القرن التاسع عشر قبل الميلاد إذا صح ذلك النسب، وآخر ما ذكرته منهم التوراة يرجع إلى القرن السادس قبل الميلاد، وذلك زمن بختنصر الذي غزا قبيلة معد، وهي أحد فرعي العدنانية: عك، ومعد. ثم ظل العرب خاملين حتى نبه اسمهم قبيل الميلاد، وذلك أن عقب عدنان إنما هو من قبيلة معد، وقد انقسمت إلى فرعين: نزار، وقنص، والكثرة والنسل في نزار، وهم فروع، أشهرها خمسة: قضاعة، ومضر، وربيعة، وإياد، وأنمار؛ وقد ذكر البكري أن مساكن قضاعة ومراعي أنعامهم كانت جدة من شاطئ البحر فما دونها شرقًا إلى منتهى ذات عرق، وهي الحد بين نجد وتهامة، إلى حيز الحرم من السهل والجبل. وقبائل مضر أقامت في حيز الحرم إلى السروات وما دونها من الغور وما والاها من البلاد، وأقامت ربيعة في مهبط الجبل من غمر ذي كندة وبطن ذات عرق وما صاقبها من بلاد نجد إلى الغور من تهامة، وأقامت إياد وأنمار معًا ما بين حد أرض مضر إلى حد نجران وما والاها وصاقبها، وصار لقنص وغيره من ولد معد أرض مكة وأوديتها وشعابها وجبالها وما صاقبها من البلاد "ص170: تاريخ العرب".
فاستقرت هذه القبائل في منازلها حتى وقعت بينهم الفتن وفرقتهم الحروب، فتباينت مساكنهم، وكانت قضاعة أول من نزح منهم حوالي تاريخ الميلاد، فنزلت بطونها في مساكن مختلفة، ثم نزحت أنمار، ثم إياد، ثم ربيعة، ثم مضر؛ ولذلك تاريخ لا محل له هنا، فملئوا الجزيرة وابتدأ تاريخهم الاجتماعي الحديث؛ لأن بأسهم أصبح بينهم، فنشأت فيهم يومئذ مقتضيات الشعر ومثلت لهم أغراضه.