"المرء مع من أحب".
"الصبر عند الصدمة الأولى".
وقوله في التوديع:
"استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك".
إلى ما لا يحصيه العد من كلامه صلى الله عليه وسلم، ولو ذهبنا نشرحه لبنينا على كل كلمة مقالة، وهذا الضرب هو الذي عناه أكثم بن صيفي حكيم العرب في تعريف البلاغة، إذ عرفها بأنها: دنو المأخذ، وقرع الحجة وقليل من كثير. وهي صفات متى أصابها البليغ وأحكمها، وضع عن نفسه في البلاغة مئونة ما سواها، ولكن إن أصابها وأحكمها.
وقد علمت ما تكون وجوه الإعجاز المطلق في هذا الكلام العربي، وذلك مما وصفناه لك من إعجاز القرآن الكريم، فاعلم أن نسق البلاغة النبوية إنما هو في أكثر الحد الإنساني من ذلك الإعجاز، يعلو كلام الناس من جهة وينزل عن القرآن من جهته الأخرى، فلا مطمع لأبلغ الناس فيما وراءه، ولا معجزة عليها فيما دونه، وهو عنده أبدًا بين القدرة على بعضه والعجز عن بعضه.
وقد بقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاف جمة من محاسن البلاغة النبوية في عقبه من أهل البيت رضوان الله عليهم ومن اتصل منهم بسبب1، أورثهم ذلك أفصح الخلق ولادة، وجادت لهم طباعه الشريفة بهذه الإجادة، فما تعارضهم بمن يحسن البلاغة إلا كانت لهم في البلاغة الحسنى وزيادة!
وبعد فإن القول ما قاله الحسين عليه السلام: "لن يؤدي القائل وإن أطنب في صفة الرسول صلى الله عليه وسلم من جمع جزءًا".
وقد قلنا بمقدار ما فهمنا وما شهدنا -يعلم الله- إلا بما علمنا، وتلك نعمة على المسلمين لا يكتمها إلا البغيض، ولا ينكرها في الناس إلا ذو قلب مريض، ومن جعل أنفه في قفاه2 فإنما السوءة أن يفتح فاه!
على أننا إن كنا قد عجزنا، ووعدنا الكلام أكثر مما أنجزنا، فلا ضير أن نصف النجم في سراه، وإن لم نستقر في ذراه، ونستدل بما رأينا منه وإن لم ننفذ فيما وراه. وإذا خطر الفكر الضئيل في مثل هذه الحقيقة السامية فقل إنا خطرة طيف، وإذا اجتمع للقلم سواد في تلك السماء العالية، فقل إنما