إلى النقل، إذ كان أكبر غرضه في هذا الكتاب أن "ينبه على الطريقة ويدل على الوجه، ويهدي إلى الحجة" وهذه ثلاثة لو بسط لها كل علوم البلاغة وفنون الأدب لوسعتها، وهي مع ذلك حشو ووصل.
على أن كتابه قد استبد بهذا الفرع من التصنيف في الإعجاز، واحتمل المؤنة فيه بجملتها من الكلام والعربية والبيان والنقد ووفي بكثير مما قصد إليه من أمهات المسائل والأصول التي أوقع الكلام عليها، حتى عدوه الكتاب وحده؛ لا يشرك العلماء معه كتابًا آخر في خطره ومنزلته وبعد عوره وإحكام ترتيبه وقوة حجته وبسط عبارته وتوثيق سرده، فانظر ما عسى أن يكون غيره مما سبقه أو تلاه.
وما زاد الباقلاني -رحمه الله- على أن ضمن كتابه روح عصره، وعلى أن جعله في هذا الباب كالمستحث للخواطر الوانية والهمم المتثاقلة في أهل التحصيل والاستيعاب الذين لم يذهبوا عن معرفة الأدب، ولم يغفلوا عن وجه اللسان ولم ينقطعوا دون محاسن الكلام وعيوبه، ولم يضلوا في مذاهبه وفنونه، حتى قال: إن الناقص في هذه الصنعة كالخارج عنها، والشادي1 فيها كالبائن منها، وقد كانت علوم البلاغة لم تهذّب لعهده، ولم يبلغ منها الاستنباط العلمي، ولم تجرد فيها الأمهات والأصول: ككتب عبد القاهر ومن جاء بعده، فبسط الرجل من ذلك شيئًا، وأجمل شيئًا؛ وهذب شيئًا ونحا في الانتقاد منحى الذين سبقوه من العلماء بالشعر وأهل الموازنة بين الشعراء، وكانت تلك العصور بهم حفيلة.
وبالجملة فقد وضع ما لم يكن يمكن أن يوضع أوفى منه في عصره، بيد أن القرآن كتاب كل عصر، وله في كل دهر دليل من الدهر على الإعجاز ونحن قد قلنا في غير الجهات التي كتبت فيها كل من قبلنا، وسيقول من بعدنا فيما يفتح الله به؛ إن ذلك على الله يسير.
وممن ألفوا في الإعجاز أيضًا على وجوه مختلفة من البلاغة والكلام وما إليهما: الإمام الخطابي المتوفى سنة 388هـ، وفخر الدين الرازي المتوفى سنة 606هـ، والأديب البليغ ابن أبي الإصبع المتوفى سنة 654هـ، والزملكاني المتوفى سنة 727هـ وهي كتب بعضها من بعض2.
ومن أعجب ما رأيناه أن لابن سراقة كتابًا في الإعجاز "من حيث الأعداد ذكر فيه من واحد إلى ألوف" وهي عبارة مقتضبة رأيناها في "كشف الظنون" ولم يكشف لنا عن معناها، فلا ندري أبلغت