بعد "إذا" لا يجيزه إلا الكوفيون، ولم يأت عن العرب في سماع صحيح".

ثم قال الكسائي: كيف تقول يا بصري: خرجت فإذا زيد قائم، أو: قائمًا؟

فقال سيبويه: أقول: قائم، ولا يجوز النصب.

فقال الكسائي: أقول: قائم؛ وقائمًا.

فقال يحيى "أو الرشيد": قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما؟

فقال الكسائي: هذه العرب ببابك، قد سمع منهم أهل البلدين؛ فيحضرون ويسألون.

فجاءوا بالأعراب الذين كانوا بالباب يومئذ، وهم أبو فقعس، وأبو دثار، وأبو الجراح، وأبو ثروان؛ فوافقوا الكسائي؛ ويقال إنهم أرسوا على ذلك، أو أنهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد فنظروا إلى المنزلة، ويقال إنهم لم يزيدوا على أن قالوا في الموافقة: القول قول الكسائي، ولم ينطقوا بالنصب، وأن سيبويه قال ليحيى: مرهم أن ينطقوا بذلك فإن ألسنتهم لا تطوع به1.

وكان الأمراء الذين يتولون الأمصار البعيدة عن البلدين يستقدمون إلى جهاتهم أعرابًا من الفصحاء، لتأديب أولادهم، وليأخذ عنهم علماء تلك الأمصار، ثم ليرجعوا إليهم في بعض ما يختلفون فيه. ومن أشهر أولئك الأمراء، عبد الله بن طاهر، فإنه لما ولي خراسان استقدم إليها جماعة، ذكروا من أسمائهم: أبا العميثل الأعرابي المتوفى سنة 240هـ، وعوسجة, ولما ورد أبو سعيد اللغوي الضرير من بغداد على ابنه طاهر بن عبد الله، تأدب بهؤلاء الأعراب وأخذ عنهم.

ومنذ القرن الخامس فسدت سلائق الأعراب في الحضر والبادية، ولم يعد العلماء يركنون إليهم في شيء إلا الاستئناس ببعض ما يسمعونه، وعز الظفر بالفصيح منهم الذي يرجع إلى نجره ويتساند إلى سليقته، حتى صار لقب الأعرابي مما يحرص عليه بعض الفصحاء من أهل العلم، يدعونه تميزًا به وإحياء للسنة العربية، كأبي محمد الأعرابي النسابة اللغوي المعروف بالأسود "وهو الذي كان يسند إلى أبي النداء كما مر"، فإنه تلقب بالأعرابي، وكان يتعاطى تسويد لونه بالقطران ويقعد في الشمس ليتحقق تلقيبه بذلك!

وهذا الرجل هو آخر تاريخ الأعراب الفصحاء، لا يعرف معه أعرابي، ولا يعرف بعده من ادعى الأعرابية اللغوية2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015