اليزيدي: فلما رأيت ذلك منه قلت له: ليس ملاك الأمر إلا طاعة الله والعمل بها، فقال: هذا كلام لا دخل فيه، ثم أعادها بالنصب، فرفعها ثانية، فقال: ليس هذا لحني ولا لحن قومي. قالا: فكتبنا ما سمعنا منه، ثم أتينا أبا المنتجع فلقناه النصب وجهدنا به، فلم ينصب وأبى إلا الرفع.
وإذا قال الأعرابي شعرًا وأخطأ فيه على مصطلح أهل العروض، وإن كان قد ذهب في نفسه مذهبًا، فهيهات أن يفهم الصواب أو يذكر الوجه الذي ذهب إليه إلا بالتلطف في سؤاله والحيلة على إفهامه.
قال ابن جني في "الخصائص": أنشدنا أبو عبد الله الشجري لنفسه شعرًا مرفوعًا يقول فيه يصف البعير:
فقامت إليه خدلة الساق أغلقت ... به منه مسمومًا دوينة حاجبه
فقلت: يا أبا عبد الله، أتقول: دوينة حاجبه، مع قولك: مناسبه، وأشانبه؟ فلم يفهم ما أردت، فقال: كيف أصنع، أليس ههنا تضع الجرير على القرمة على الجرفة1؟ وأومأ إلى أنفه، فقلت: صدقت، غير أنك قلت أشانبه، وغالبه، فلم يفهم وأعاد اعتذاره الأول، فلما طال هذا قلت له: أيحسن أن يقول الشاعر:
آذنتنا ببينها أسماء ... رب ثاو يمل منه الثواء
ومطلت الصوت "أي: مد الهمزة"، ثم يقول مع ذلك:
ملك المنذر بن ماء السماء
فأحس حينئذ وقال: أهذا ... ؟ أين هذا من ذاك؟ إن هذا طويل وذاك قصير. فاستروح إلى قِصَر الحركة في "حاجبه" وأنها أقل من الحروف في "أسماء، والسماء".