يصححون1؛ ولا يكون التصحيح إلا بلقاء العلماء والرواة والمتقدمين في صناعتهم المتقنين لما حفظوه والإسناد إليهم؛ وقد هجا بعض الشعراء أبا حاتم السجستاني المتوفى سنة 250هـ وهو واحد عصره في فنه، فلم يزد على أن قال في عيبه والزراية عليه:
إذا أسند القوم أخبارهم ... فإسناده الصحف والهاجس
وأورد العسكري في موضع من كتابه "التصحيف" شرح البيت لابن مقبل، فنبه قبل إيراده على أنه كتبه من كتب لبعض العلماء، قال: "ولا أضمن عهدته؛ لأني لا أعتد إلا بما أخذته رواية من أفواه الرجال أو قرأته عليهم".
فلما كان القرن الخامس وابتدأت الرواية تعفو وتجود بأنفاس أهلها، بعد أن تميزت العلوم ووضعت فيها الكتب الكثيرة، ودونت روايات الصدور المتقدمين -ضعف أمر الإسناد شيئا غير قليل، ولكن بقيت فيه بقية يتماسك بها، حتى إن أبا محمد الأعرابي المعروف بالأسود العلامة النسابة الذي تصدر في القرن الخامس للرد على العلماء والأخذ على القدماء كان لا يستطيع أن يروي بغير إسناد؛ فكان يسند إلى رجل مجهول يسميه "محمد بن أحمد أبا النداء" وكان أبو يعلى بن الهبارية الشاعر يعيره بذلك ويقول: من أبو النداء في العالم؟ لا شيخ مشهور ولا ذو علم منشور2!