أصل التصحيف:

وقد قلنا إن الإسناد في الحديث استتبع الإسناد في الأدب، وذكرنا في أخذ المحدثين عن الصحف أنهم يغمزون بذلك، وإن كان ما في الصحيفة صحيحًا، فيقولون مثلًا: إن فلانًا ثقة وبعض روايته صحيفة1، وقد جرى أهل الأدب في أمر الإسناد على ذلك أيضًا. وأصل التصحيف رواية الخطأ عن قراءة الصحف باشتباه الحروف؛ فقد كانوا يكتبون في القرن الأول بدون نقط ولا شكل، يفعلون ذلك في المصاحف وغيرها؛ فكان الذي يأخذ القرآن من المصحف ولا يتلقاه من أفواه القراء تشتبه عليه الحروف فيصحف، وغبر الناس على ذلك إلى أيام عبد الملك بن مروان، ففزع الحجاج إلى كتابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات؛ فيقال إن نصر بن عاصم قام بذلك فوضع النقط، فغبر الناس بذلك زمانًا لا يكتبون إلا منقوطًا، وكان أبو الأسود قد وضع النقط قبل نقط نصر لضبط الحروف -شكلها- فاشتبه الأمر واستمر يقع التصحيف، فأحدثوا الإعجام -أي: الشكل بالحركات على ما أرادوه في أول التعبير بذلك- فكانوا يتبعون النقط بالإعجام. ولكن ذلك لم يكن مستقصى في كل ما يكتب ولا كان كل من يقرأ يستقصي ضبط الكلمة ونقطها2 فلم يزل يعتري التصحيف؛ فالتمسوا حيلة فلم يقدروا على غير الأخذ من أفواه الرجال، وكان ذلك كله قبل أن تستبحر فيهم الرواية؛ فلهذا وأشباهه قالوا: لا تأخذوا القرآن من مصحفي، ولا العلم من صحفي!

ولما استجرت لهم أطراف الرواية وكثر التبدين، كان أشد ما يهجى به الرواية إسناده إلى الصحف؛ لأن ذلك غميزة في ضبطه تحصيله، ولأن الرواة كانوا يتفاوتون بمقدار ما يصحفون أو

طور بواسطة نورين ميديا © 2015