أما في القرن الأول فقد كانوا يسمون ما يقرب من ذلك بـ"علم العرب" كما ذكره المسعودي في "مروج الذهب" إذ نقل عن المدائني حديثًا تصادر عليه ابن عباس وصعصعة بن صوحان، وفيه أن ابن عباس بعد أن سأل الرجل عن قومه وعن الفارس فيهم ونحو ذلك مما يتعلق بالأيام والمقامات قال: أنت يابن صوحان باقر علم العرب1. وما كان الأدب الاصطلاحي بأكثر من هذا العلم يومئذ.
وبعد أن عرفت حدود الأدب في القرن الثاني واشتهرت الكلمة، بقيت لفظة "الأدباء" خاصة بالمؤدبين، لا تطلق على الكتاب والشعراء، واستمرت لقبًا على أولئك إلى منتصف القرن الثالث، ومن ذلك كان منشأ الكلمة المشهورة "حرفة الأدب" وأول من قالها الخليل بن أحمد صاحب العروض المتوفى سنة 175هـ، وذلك قوله كما جاء في "المضاف والمنسوب" للثعالبي: "حرفة الأدب آفة الأدباء"؛ لأنهم كانوا يتكسبون بالتعليم ولا يؤدبون إلا ابتغاء المنالة، وذلك حقيقة معنى الحرفة على إطلاقها2.
فلما فشت أسباب التكسب بين الشعراء في القرن الثالث، وبطلت العصبية التي كانت تجعل للشعر معنى سياسيا فاتخذوه حرفة يكدحون بها، وجعلوه مما يتدرع به إلى أسباب العيش، جائزة خليفة أو منادمة أمير أو ما دون ذلك من الأسباب أيها كان انتقل إليهم لقب الأدباء، للمناسبة بين الفئتين في الحرفة، ولم يلبثوا أن استأثروا به لتوسعهم في تلك الأسباب.
ثم جاء ابن بسام الشاعر المتوفى سنة 303هـ فجعل "الحرفة" نبزًا، وأخرجها عن وضعها اللغوي إلى معنى مجازي غلب على حقيقتها واستبد بها فأرسلها مثلًا. وذلك فيما رثى به عبد الله بن المعتز حين قتل في سنة 296هـ ودفن في خربة بإزاء داره بعد جلال الإمارة وعزة الملك إذ يقول:
لله درك من ميت بمضيعة ... ناهيك في العلم والآداب والحسب
ما فيه لو ولا ليت فتنقصه ... لكنما أدركته "حرفة الأدب"
وهذا هو أصل الكلمة التي تعاورها الأدباء، واعتبرها الشعراء ميراثًا دهريا إلى اليوم، وإنما يتناولها ابن بسام من لغة العامة، وطبعها على شيء من عبث أخلاقه التي بلغت من هجاء الأمراء والوزراء وذوي المكانة من الناس إلى هجاء أبيه وإخوته وسائر أهل بيته حتى سنها طريقة، فيقال لمن يقفو أثره في عبث اللسان: "إنه يجري في طريق ابن بسام".
ثم صارت الآداب من يومئذ تطلق أيضًا على فنون المنادمة وأصولها، وأحسب ذلك جاءها من