الله عليه وسلم وأصحابه ينسبون الى مضر ويتساءلون عن ذلك. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم. وهذا كله ظاهر في النسب القريب، وأمّا الأنساب البعيدة العسرة المدرك التي لا يوقف عليها إلا بالشواهد والمقارنات لبعد الزمان وطول الأحقاب أو لا يوقف عليها رأسا لدروس الأجيال فهذا قد ينبغي أن يكون له وجه في الكراهة كما ذهب اليه من ذهب من أهل العلم مثل مالك وغيره لأنه شغل الإنسان بما لا يعنيه. وهذا وجه قوله صلى الله عليه وسلم فيما بعد عدنان من هاهنا كذب النسّابون لأنها أحقاب متطاولة ومعالم دارسة لا تثلج الصدور باليقين في شيء منها مع أنّ علمها لا ينفع وجهلها لا يضرّ كما نقل والله الهادي الى الصواب.

ولنأخذ الآن في الكلام في أنساب العالم على الجملة ونترك تفصيل كل واحد منها الى مكانه فنقول: إنّ النسّابين كلّهم اتفقوا على أنّ الأب الأوّل للخليقة هو آدم عليه السلام كما وقع في التنزيل إلا ما يذكره ضعفاء الأخباريين من أن الجنّ والطمّ أمّتان كانتا فيما زعموا من قبل آدم، وهو ضعيف متروك وليس لدينا من أخبار آدم وذرّيته إلّا ما وقع في المصحف الكريم وهو معروف بين الأئمّة. واتفقوا على أنّ الأرض عمرت بنسله أحقابا وأجيالا بعد أجيال إلى عصر نوح عليه السلام وأنه كان فيهم أنبياء مثل شيث وإدريس وملوك في تلك الأجيال معدودون وطوائف مشهورون بالنحل مثل الكلدانيين ومعناه الموحّدون، ومثل السريانيين وهم المشركون. وزعموا أنّ أمم الصابئة منهم وأنهم من ولد صابئ بن لمك بن أخنوخ، وكان نحلتهم في الكواكب والقيام لها كلها واستنزال روحانيّتها وأنّ من حزبهم الكلدانيين أي الموحّدين. وقد ألّف أبو إسحاق الصابي الكاتب مقالة في أنسابهم ونحلتهم. وذكر أخبارهم أيضا داهر مؤرّخ السريانيين والبابا الصابي الحرّاني وذكروا استيلاءهم على العالم وجملا من نواميسهم. وقد اندرسوا وانقطع أثرهم. وقد يقال أنّ السريانيين من أهل تلك الأجيال، وكذلك النمروذ والازدهاق وهو المسمى بالضّحاك من ملوك الفرس وليس ذلك بصحيح عند المحقّقين.

واتفقوا على أنّ الطوفان الّذي كان في زمن نوح وبدعوته ذهب بعمران الأرض أجمع بما كان من خراب المعمور ومهلك الذين ركبوا معه في السفينة ولم يعقبوا فصار

طور بواسطة نورين ميديا © 2015