وملك بعدهم الشيخ حسن النّوين وبنوه. وافترق ملكهم في طوائف من أهل دولتهم، وارتفعت نقمتهم عن ملوك الشام ومصر. ثم في أعوام السبعين أو الثمانين وسبعمائة، ظهر في بني جفطاي وراء النهر أمير اسمه تيمور، وشهرته عند الناس تمر، وهو كافل لصبيّ متّصل النّسب معه إلى جفطاي في آباء كلّهم ملوك، وهذا تمر بن طرغاي هو ابن عمهم، كفل صاحب التّخت منهم اسمه محمود، وتزوج أمّ صرغتمش، ومدّ يده إلى ممالك التتر كلّها، فاستولى عليها إلى ديار بكر، ثم جال في بلاد الروم والهند، وعاثت عساكره في نواحيها، وخرّب حصونها ومدنها، في أخبار يطول شرحها. ثم زحف بعد ذلك إلى الشام، ففعل به ما فعل، والله غالب على أمره. ثم رجع آخرا إلى بلاده، والأخبار تتّصل بأنه قصد سمرقند، وهي كرسيّه.
والقوم في عدد لا يسعه الإحصاء، إن قدرت ألف ألف فغير كثير، ولا تقول أنقص، وإن خيّموا في الأرض ملئوا السّاح، وإن سارت كتائبهم في الأرض العريضة ضاق بهم الفضاء، وهم في الغارة والنهب والفتك بأهل العمران، وابتلائهم بأنواع العذاب، على ما يحصّلونه من فئاتهم آية عجب، وعلى عادة بوادي الأعراب.
وهذا الملك تمر من زعماء الملوك وفراعنتهم، والناس ينسبونه إلى العلم، وآخرون إلى اعتقاد الرّفض، لما يرون من تفضيله لأهل البيت، وآخرون إلى انتحال السّحر، وليس من ذلك كلّه في شيء، إنّما هو شديد الفطنة والذّكاء، كثير البحث واللّجاج بما يعلم وبما لا يعلم، عمره بين السّتّين والسّبعين، وركبته اليمنى عاطلة من سهم أصابه في الغارة أيام صباه على ما أخبرني، فيجرّها في قريب المشي، ويتناوله الرّجال على الأيدي عند طول المسافة، وهو مصنوع له، والملك للَّه يؤتيه من يشاء من عباده.
كنت- لما أقمت عند السلطان نمر تلك الأيام التي أقمت- طال مغيبي عن