تاريخ ابن خلدون (صفحة 4627)

الاعتقال، والقيود الثقال، وأضرعهم الإسار وجلّلهم الإنكسار، فجدّلوهم [1] في مصرع واحد، وتركوهم عبرة للرّائي والمشاهد، وأهدوا بوقيعتهم إلى الإسلام ثكل الواجد [2] ، وترة الماجد [3] ، فكبسناها كبسا، وفجأناها بإلهام من لا يضلّ ولا ينسى وصبّحتها الخيل، ثم تلاحق الرّجل لمّا جنّ الليل، وحاق بها الويل، فأبيح منها الذّمار [4] ، وأخذها الدّمار، ومحقت [5] من مصانعها البيض الأهلّة وخسفت الأقمار، وشفيت من دماء أهلها الضّلوع الحرار [6] ، وسلّطت على هياكلها النّار، واستولى على الآلاف العديدة من سبيها، وانتهى إلى إشبيلية الثّكلى المغار [7] فجلّل وجوه من بها من كبار النّصرانية الصّغار [8] ، واستولت الأيدي على ما لا يسعه الوصف ولا تقله [9] الأوقار [10] .

وعدنا والأرض تموج سبيا، لم نترك بعفرين شبلا [11] ولا بوجرة ظبيا [12] ، والعقائل [13] حسرى، والعيون يبهرها الصّنع الأسرى [14] وصبح السّرى قد حمد من بعد المسرى [15] ، فسبحان الّذي أسرى [16] ، ولسان الحميّة ينادي، في تلك الكنائس المخرّبة والنّوادي: يا لثارات الأسرى!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015