فلفول عليه بعصبته فرجع إلى مصر، واستبدّ فلفول بطرابلس وتداولها بنوه مع ملوك صنهاجة إلى أن استبدّوا بها آخرا. ودخل العرب الهلاليّون إلى إفريقية فخرّبوا أوطانها وطمسوا معالمها. ولم تزل بأيدي بني خزرون هؤلاء إلى أن غلبهم عليها جرجي بن ميخائيل صاحب أسطول رجّار ملك صقلّيّة من الإفرنج سنة أربعين وخمسمائة، وأبقى المسلمين بها واستعمل عليهم كما فعل في سواحل إفريقية فأقاموا في ملكة النصارى أياما. ثم ثار بهم المسلمون بمداخلة أبي يحيى بن مطروح من أعيانهم وفتكوا بهم. ولما افتتح عبد المؤمن المهديّة سنة خمس وخمسين وخمسمائة وفد عليه ابن مطروح ووجوه أهل طرابلس فأوسعهم تكرمة وردّهم إلى بلدهم، وولّى عليهم ابن مطروح إلى أن كبر سنّه وعجز. وارتحل إلى المشرق سنة ست وثمانين وخمسمائة بإذن السيد زيد بن عمر بن عبد المؤمن عامل إفريقية من قبل عمّه يوسف واستقر بالإسكندريّة.
وتعاقبت عليها ولاة الموحدين، ثم كان من أمر ابن غانية وقراقش ما قدّمناه، وصارت طرابلس لقراقش. ثم استبد بنو أبي حفص بإفريقية على بني عبد المؤمن.
وهلك قراقش وابن غانية، وانتظم عمل طرابلس في أعمال الأمير أبي زكريا وبنيه إلى أن انقسمت دولتهم، واقتطعت الثغور الغربية عن الحضرة. وفشل ريح الدولة بعض الشيء وتقلّص ظلّها عن القاصية، فصارت رياسة طرابلس إلى الشورى ولم يزل العامل من الموحّدين يجيء إليها من الحضرة إلّا أنّ رئيسها من أهلها مستبدّ عليها، وحدثت العصبيّة في البلد لحدوث الشورى والمنافسة فيها. ثم نزلها السلطان أبو يحيى بن اللحياني سنة سبع عشرة وسبعمائة حين تجافى عن ملك الحضرة، وأحسّ بزحف السلطان أبي يحيى صاحب بجاية إليها فأبعد عن تونس إلى ثغر طرابلس، وأقام بها وأقام أحمد بن عربي من مشيختها بخدمته.
ولما فارق ابن اللحياني تونس ويئس الموحدون من عوده أخرجوا ابنه محمد المكنّى بأبي ضربة من الاعتقال، وبايعوا له. وخرج للقاء السلطان أبي بكر ومدافعته فهزمه السلطان أبو بكر وحمله الأعراب الذين معه على قصد طرابلس لانتزاع الأموال والذخائر الملوكيّة من يد أبيه. ولما أحسّ بذلك أبوه ركب البحر من طرابلس إلى الإسكندرية كما هو مذكور في خبره، واستخلف على طرابلس صهره محمد بن أبي عمر بن إبراهيم بن أبي حفص فقام بأمرها، وولّى حجابته رجلا من أهله يشهر